أسامة بن منقذ وشعره
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
للأستاذ أحمد أحمد بدوي
- 3 -
لم يكن معروفاً من شعر أسامة سوى ما تفرق في كتبه الاعتبار والعصا، ولباب الآداب، وما تفرق في كتب مؤرخيه كخريدة القصر، والروضتين، في أحبار الدولتين، وتاريخ الإسلام للذهب، وجمهرة الإسلام، وشذرات الذهب، وجمهرة الإسلام، ذات النثر والنظام، ولكن أسامة كان له ديوان جمعه بنفسه، وعنى به من بعده ابنه مرهف، وكان صلاح الدين مشغوفاً به كما ذكرنا، وقد رآه ابن خلكان، وذكر أنه بأيدي الناس، وقد عثرت دار الكتب على نسخة خطية من هذا الديوان.
وقد رتب أسامة ديوانه على حسب الأغراض، فباب للغزل وآخر لشكوى الفراق، وغيرهما للوصف، إلى غير ذلك من أغراض الشعر الغنائي ولكن ديوانه قد خلا من الهجاء، ويظهر أنه قد أصر على ألا يكون في شعره هذا اللون برغم الدوافع التي كانت تسوقه إلى أن يهجو، حتى لقد قال:
ظلمت شعري، وليس الظلم من شيمي ... يطيعني حين أدعوه، وأعصيه يهم أن يذكر القوم اللئام بما ...
فيهم، فأزجره عنهم، وأثنيه وليس من خلقي ثلب الغنى وإن ...
جنى، ولا ذكر ذي نقص بما فيه وفي ذلك مسحة من ترفع الأمارة، التي تحول بينه وبين النزول إلى مستوى التشاتم والمهاترة. ولما اختار أسامة أن يرتب ديوانه على الأغراض، كان يجزئ القصيدة الواحدة، فيضع غزلها مثلاً في باب الغزل، ومديحها أو فخرها في باب المديح أو الفخر، وكان هو يشير إلى ذلك حين يعرض قصائده، ولهذا النظام فائدته في تتبع الدراسة الفنية لكل فن من فنون الشاعر على حدة، وإن كانت الحاجة تدعو، عند دراسة بناء القصيدة، إلى دراسة أجزائها كلها، لمعرفة الجو الذي توحي به، وإدراك مدى الصلة التي تربط بين عناصرها. ويبدو لأول ما تقرأ أن أسامة لم يدون كل ما قاله من الشعر، لأنه لم يرض عن كل ما يصدر منه، فحذف منه ما لم يرقه، حيث يقول: كلما رددت في شعري النظر ...
بان ضعف العي فيه، وظهر ليس يرضيني، ولا يمكنني ...
جحد ما قد شاع منه، واشتهر فأجيل الفكر في تقليله ...
فإذا قل اختصرت المختصر وبه فقر إلى ذي كرم ...
إن رأي ما فيه من عيب ستر وذاك يدل على تطلع أسامة إلى مثل أعلى، كان ينبغي أن يصل إليه مستوى شعره، ولا بد أن كان لذلك أثره، وأخذه إياه بالتقويم والتنقيح، حتى ظهر شعره في هذا الثوب من القوة والجزالة، مما يذكرنا بشعر الفحول الذين سموا بنفسهم عن أن يكون مظهر التلاعب بالألفاظ، أو الجري وراء محسن لفظي، من غير أن يكون في البيت معنى جليل، أو خاطر سام، أو شعور صادق، أما أسامة فلديه ما يقوله، في أسلوب قوي، وعبارة رصينة. وتتدفق خواطر أسامة في قصيدته، ويرتبط بعضها ببعض، حتى يصبح البيت لبنته، في بناء ملتحم مؤتلف، خذ مثلاً قوله: لا تجز عن الخطب ...
فكل دهرك خطب وحاثات الليالي ...
مملة، ما تغب تروح سلماً وتغدو ...
على الفتى وهي حرب ولا تضق باصطبار ...
ذرعاً إذا اشتد كرب فصبر يومك مر ...
وفي غد هو عذب كم صابر الدهر قوم ...
فأدركوا ما أحبوا وكل نار حريق ...
يخشى لظاها ستخبو ترى فيه التحام الخواطر وتسلسلها، ولا تجد ذلك في مقطوعاته القصيرة فحسب، بل في قصائده الطويلة أيضاً، حتى ليخيل إليك أحياناً أنك تقرأ قطعة منثورة، لا قصيدة منظومة؛ ويطول نفس أسامة أحياناً حتى تبلغ القصيدة تسعين بيتاً، كتلك التي كتبها على لسان نور الدين، يعدد فيها وقائعه مع الفرنج. وينهج أسامة في كثير من الأحيان المنهج التقليدي، فيبدأ قصائده بالغزل، حين يفتخر، أو يمدح، أو يشكو، وحيناً يبدأ موضوعه من غير مقدمة غزلية، كالقصيدة التي بعث بها إلى معين الدين أنر، وقد لقى الفرنج، وهزمهم، فقال أسامة: كل يوم فتح مبين ونصر ...
واعتلاء على الأعادي وقهر ومضى في قصيدته: ولكثرة ما اطلع أسامة على الشعر القديم، كان يضمنه بعض قصائده، حتى اتهمه بعض سامعي شعره بالسرقة من غيره، وليس فيما فعل أسامة سوى التضمين الذي تراه في قوله يخاطب معين الدين أنر: وأنت أعدل من يشكي له، وله ...
شكية أنت فيها الخصم والحكم وما ظننتك حق معرفتي ...
إن المعارف في أهل النهى ذمم لكن تقاتك ما زالوا بغشهم ...
حتى استوت عندك الأنوار والظلم وفي هذه الأبيات تضمين من قصيدة المتنبي: (وأحر قلباه ممن قلبه شيم).
أما قصيدة أسامة التي مطلعها: أطاع الهوى من بعدهم وعصى الصبر ...
فليس له نهى عليه ولا أمر فقد ضمنها من شعر أبي فراس، كهذا البيت، ومن شعر المتنبي، وأبي صخر الهذلي، وغيرهم، وليس التضمين بكثير من شعر أسامة، وأكثره ما جاء في هاتين القصيدتين. تلمس في شعر أسامة الجلال والوقار، فلا هزل فيه، ولا مزاح، إلا قليلاً نادراً، وليس في باب الملح عقده، فضلاً عن قصره، سوى قليل من الفكاهة، ولعل من أرقها قوله، وقد كان له جار من الأمراء، يعرف بابن طليب، وقعت في داره نار فاحترقت، فقال أسامة: انظر إلى الأيام، كيف تقودنا ...
قسراً إلى الإقرار بالأقدار ما أوقد ابن طليب قط بداره ...
ناراً، هلاكها بالنار 4 وجدت الأحداث الكبرى التي مرت بأسامة صداها في شعره، وصورت آثارها في نفسه تصويراً قوياً، ولعل من أقوى هذه الآثار في نفسه، اضطرار إلى أن يفارق وطنه الأول (شيزر) الذي شهد مدراج طفولته، وملاعب صباه، وملاهي شبيبته، وقد وجد أسامة البقاء في هذا الوطن شقاء لا يطيقه، بعد أن جفاه عمه، وقلب له ظهر المجن، فكتب إلى أبيه قصيدة يحدثه فيها عما يعتلج في صدره من الهم، ويشكو إليه ما كدر صفاء عيشه، من الغدر، وما ناله من سوء العقوق، ويقول له: أشكو إلى علياك هما ضاق عن ...
كتمانه صدري، وما هو ضيق وطوارقاً للهم أقريها الكرى ...
وتلظ بي صبحاً، فما تتفرق وينبئه بأنه قد صمم على فراق دار الهون، ما دام الحقد عليه قد وجد سبيله إلى قلوب ذوي قرباه، فيقول له: دعني وقطع الأرض دون معاشر ...
كل ذي لغير جرم محنق تغلي على صدورهم من غيظهم ...
فتكاد من غيظ علي تحرق أعيا على رضاهم، فيئست من ...
إدراكه، ما النجم شيء يلحق قد افسدوا عيشي علي وعيشهم ...
فأما الشقي بهم، وأيضاً شقوا فضل الأقارب برهم وحنوهم ...
فإذا جفوني فالأباعد أرفق وكان أسامة راضياً عن نفسه بهذا الارتحال، الذي نأى به عن الضيم، وبعد به عن أن يسام الخسف والهوان، واستقبل بعده عن وطنه، راضياً به، ما دام ذلك في سبيل احتفاظه بأنفته وعزة نفسه: أأسام خسفاً، ثم لا ...
آبي، فلست إذا أسامة هيهات، لا ترضى المعالي ...
صاحباً يرضى اهتضامه وألقى أسامة بنفسه في المعارك تحت لواء عماد الدين زنكي، ولم ينغص عليه مقامه يومئذ سوى وشاة أوعروا صدر أبيه عليه، فاضطر أسامة إلى أن يرسل إلى أبيه استعطافاً، يزيل به من نفسه أثر هذه الوقيعة التي لم يحدثنا التاريخ عنها شيئاً، فكتب أسامة إليه: يا ويح قلبي من شوق يقلقله ...
إلى لقائك ماذا من نواك لقي وناظر قرحت أجفانه أسفاً ...
عليك في لجة من دمعه غرق وبعد ما بي، فإشفاقي يهددني ...
بشوب رأيك بالتكدير والرنق وأن قلبك قد رانت عليه من الس ...
واشين بي جفوة يهماء كالغسق أما كفاهم نوى داري وبعدك عن ...
عيني، وفرقة إخوان الصبا الصدق وأنني كل يوم قطب معركة ...
درية السمر والهندية الذلق أغشي الوغى مفرداً من أسرتي وهم ...
هم إذا الخيل خاضعت لجة العلق وموضعي منك لا تسمو الوشاة له ...
ولا لغيره كيسي، ولا حمقي وكان موقفه من دمشق حين نبت به، كموقفه من وطنه الأول، فارقها غير راض باحتمال الهوان، برغم ما ألمسه في شعره من حب لمعين الدين، يقول له: ولست آسي على الترحال من بلد ...
شهب البزاة سواء فيه والرخم تعلقت بحبال الشمس منه يدي ...
ثم انثنت وهي صفر ملؤها ندم أما حياته بمصر، فقد مر عليه بها من تقلبات الزمان، وعبر الأيام، وتنقل الملك والسلطان، وأصح أن يقول معه: خمسون من عمري مضت لم أتعظ ...
فيها، كأني كنت عنها غائباً وأنت علي بمصر عشر بعدها ...
كانت عظاه كلها وتجارباً شاهدت من لعب الزمان بأهله ...
وتقلب الدنيا الرقوب عجائباً ولعل الأزمات السياسية التي مرت به في مصر، كانت تملأ صدره بالهم حيناً، والنقمة على الزمن الذي دفع به إلى مصر، فيقول: يا مصر، ما درت في وهمي ولا خلدي ...
ولا أجالتك خلواتي بأفكاري ما أنت أول أرض مس تربتها ...
جسمي، ولا فيك أوطاني وأوطاري لكن إذا حمت الأقدار كان لها ...
قوى تؤلف بين الماء والنار ولكن أسامة برغم هذه الأزمات التي كانت تدفعه حيناً إلى الثورة، والتي لابد أن تلم بمن يخوض لجة السياسة وجد في مصر ما كان يصبو إليه من مال ومجد، كان شديد الأسف عليه، حين أفلت من يده، تحس بذلك في قوله: نلت في مصر كل ما يرتجي الأمل من رفعة، ومال، وجاه فاستردت ما خولتني، وما أسرع نقص الأمور عند التباهي كنت فيه كأنني في منام ...
زال منه سر عند انتباهي فلا جرم، كان شديد الحنين إلى مصر، بعد أن فارقها، وكان يتمنى أن يلبي دعوات الملك الصالح التي وجهها إليه مرة بعد أخرى يدعوه فيها إلى العودة والعيش معه.
وهنا يحسن بي أن أقف قليلاً أبين رأي الملك الصالح فيما اتهم به أسامة من المشاركة في قتل الظافر، فالصالح يبرئ أسامة براءة تامة من هذا الإثم، ويراه نقي الصفحة، طاهر اليدين، وها هو ذا يرسل إلى أسامة، يدعوه إلى مصر، ويحدثه عن الوزير عباس الذي قتل ابنه نصر الخليفة الظافر: على أنه قد نال بالغدر من بني ...
نبي الهدى ما لم ينله بنو حرب وهل نال منهم آل حرب وغيرهم ...
من الناس فوق القتل والسبي والنهب غدا والغاً كالكلب ظلماً وحزبه ...
دماءهم لإحاطة الله من حزب وياليته لو كان فيه من الوغا ...
لمالكه بعض الذي هو في الكلب وحاشاكم ما خنتم العهد مثله ...
ولا لكم فيما جرى منه من ذنب ومن مثل ما قد نالكم من دونه ...
يحاذر أن تدنو الصحاح من الجرب كان لكثرة الترحال أثر في شعر أسامة، فكثيراً ما شكا الفرقة والاغتراب، وكثرة جوبه البلاد، وتحس في هذا الشعر لوعة الحرمان، وألم الشوق إلى الوطن المفارق، والآل الغائبين، فتسمعه يقول: أهكذا أنا باقي العمر مغترب ...
ناء عن الأوطان والسكن لا تستقر جيادي في معرسها ...
حتى أروعها بالشد والطعن ويقول: أين السرور من المروع بالنوى ...
أبداً، فلا وطن، ولا خلان عيد البرية موسم لعويله ...
وسرورهم فيه له أحزان وإذا رأى الشمل الجميع تزاحمت ...
في قلبه الأمواه والنيران فكان هذا الرحيل الدائم، مصدر ألم لأسامة، يؤرق حياته، وينغص عليه عيشه، وكان له أثر في مسح شعره بمسحة من الحزن والأسى، وكثرة حديثه عن الوداع والفراق. كما كان لتبدد ثروته، ونهب بعضها عقب الحوادث التي جرت بعد مقتل الحافظ وغرق بعضها في البحر، عند خروج أسرته من مصر أثره البالغ من نفسه، وأثره القوي في شعره، شكا ذلك إلى الملك الصالح، وطلب منه المعونة، فقال له: أنا أشكو إليك د هراً لحاعو ...
دي، وأعراه، فهو يبس سليب وخطوباً رمى بها حادث الده ...
ر سوادي، كلهن مصيب إذ هبت تالدي، وطار في الط ...
اري، فضاع الموروث والمسكوب فهو شطران بين مصر وبحر ...
ذا غريق فين وذا منهوب ويظهر أن الفقر قد عضه بنابه حيناً من الدهر، حتى رأيناه يصف نفسه بأنه لا يفترق في حقيقة الأمر عن سائليه الذين يهرعون إليه، ظانين فيه الغنى واليسار. ولكن مستوري كظاهر حالهم ...
فما حيلتي، والحظ حرب الفضائل وكان أكبر ما يؤلمه في حالة العسرة التي ألمت به، هو أن شمت به أعداؤه، فأخذ يطمئن نفسه بأن سوف يستعيد مع الأيام ماله المفقود، وحيناً يقول لهم: متى رآني الشامتون ضرعا ...
لنكبة تعرقني عرق المدى هل بزني الخطب سوى وقري الذي ...
كان مباحاً للنوال والندى فإذا نزلت كارثة زلزال شيزر، فذهبت بملك أهله وبأهله، أخذ يبكيهم، ويندب حظهم، ويرثي منازلهم، ويسأل الزمن عن ماضي مجدهم ويتألم لبقائه من بعدهم، ويمدح ما اتصفوا به من سامي الخلال، وطيب الفعال، وبرغم ما كان بينه وبينهم من إحن وبغضاء، عز عليه فقدهم، وتمنى أن لو استمرت الحياة، واستمر ما بينه وبينهم من فرقة ونفور، فقد كانوا برغم ذلك مصدر فخاره، وينبوعاً لقوته واعتزازه؛ قال أسامة من قصيدة طويلة يصف فيها هذا الخطب، كيف كان له شديد الوقع في نفسه، فهو يتطلب الأسى، فلا يجد أسوة يقتدي بها: قالوا: تأس، وما قالوا بمن، إذا ...
أفرددت بالرزء، وما أنفك أسوانا ما استدرج الموت قومي في هلاكهم ...
ولا تحرمهم مثنى ووحدانا فكنت اصبر عنهم صبر محتسب ...
وأحمل الخطب فيهم عز أوهانا وأقتدي بالورى قبلي، فكم فقدوا ...
أخا، وكم فارقوا أهلاً وجيرانا ويدفع عن نفسه أن يظن به ظان وقوفه من هذه الكارثة وقوف من لا يعني بها، ولا يأبه لها، فيقول: لعل من يعرف الأمر الذي بعدت ...
بعد التصاقب من جرأة دارانا يقول بالظن إذ يدرسا خلقي ...
ولا محافظتي من حان أو بانا: أسامة لم يسؤه فقد معشره ...
كم أوغروا صدره غيظاً وأضغانا وما درى أن في قلبي لفقدهم ...
ناراً تلظي، وفي الأجفان طوفانا بنو أبي، وبنو عمي، دمي دمهم ...
وإن، أروني مناوأة وشأنا كانوا سيوفي إذا نازلت حادثة ...
وجنتي حين ألقي الخطب عريانا وختم تلك القصيدة الباكية بالدعاء لهم، فقال: سقى ثرى أودعوه رحمة ملأت ...
مثوى قبورهم روحاً وريحانا وألبس الله هاتيك العظام وإن ...
يلين تحت الثرى عفواً وغفرانا ولما علت سن أسامة ووهن منه العظم، أخذ يشكو طول العمر، وثقل الحياة عليه، فحيناً يجد في الموت أعظم راحة تنقذه من ضعفه، وحيناً تنهال عليه ذكريات شبابه وصباه، ويوازن بين ضعفه اليوم، وقوته في عهده السالف، فقد كانت كفه مألفاً للسيف والرمح، فصارت تحمل العصا، يمشي بها كما يمشي الأسير مثقلاً بالكبل، وحيناً يأسف على أنه لم ينل في شبيبته من المتع والملاذ، ما كان جديراً أن يظفر به في عصر الشباب، إذ يقول: وما ساء ني أن أحال الزما ...
ن ليلي نهاراً، وجهلي وقارا ولكن يقولون: عصر الشبا ...
ب يكون لكل سرور قرارا فوجدي أني فارقته ...
ولم أبل ما يزعمون اختبارا ومن أكبر ما أثر فيه يومئذ أنه رزق ابنة، بعد أن تجاوز أربعاً وسبعين سنة، فوجد اليتم ينتظرها، وكان تفكيره في يتمها وضعفها مجلبة لحزنه وبكائه: رزقت فروة، والسبعون تخبرها ...
أن سوف تيتم عن قرب وتنعاني وهي الضعيفة، ما تنفك كآسفة ...
ذليلة تمتري دمعي وأحزاني وصور لنا أسامة نفسه محنياً على عصاه، قد تقوس ظهره، وصارت العصا وتراً لهذا القوس، يمشي مشي الحسير، قد آده ثقل السنين، فهو يمشي كالمقيد بعثاره، أو كالأسير في قيده، فلا جرم كان شديد الضيق والبرم، حين يرى نفسه عاجزاً عن تلبيته داعي الحرب إذا دعاه: رجلاي والسبعون قد أوهنا ...
قواي عن سعيي إلى الحرب وكنت إن ثوب داعي الوغى ...
لبيته بالطعن والضرب وكان شديد الضيق والبرم أيضاً حين يرى نفسه وحيداً، قد مضت لداته وأترابه، فعاش غريباً في جيل غريب عنه، فكان يتأوه قائلاً: ناء عن الأهلين والأو ...
طان، والأتراب ماتوا ولبئس عيش المرء فا ...
رقه الأحبة واللبدات فالام أشقى بالبقا ...
ء، وكم تعذبني الحياة للكلام بقية أحمد أحمد بدوي