عنوان الفتوى : الفقير إذا نصح غيره بأن يودع ماله بالبنك الربوي وينتفع هو بالفوائد
ابتليت منذ عشر سنين بمرض نفسي، أثّر على طاقتي وقدرتي على العمل بعد زواجي مباشرة، فقعدت عن العمل، وكان لي مبلغ قليل من المال، فقمت بتشغيله مع صاحب لي، وكان يدرُّ عليَّ ربحًا قليلًا جدًّا لا يكفي لإيجار شقة صغيرة، وكان أبي يساعدني بطعامي، وإيجاري، وبعض المصاريف، وبعد ذهابي للطبيب النفسي زادت مصاريفي بسبب غلاء الدواء النفسي الذي كان يستنفد ما بقي من مال عندي، فاقترحت على أخي -وكان يضع ماله في بنك ربوي- أن يدخل ماله فيما يسمى بالوديعة لعدة سنوات، ولها نسبة فائدة عالية، وآخذ أنا هذه الفائدة، وأصرفها في المصاريف التي لا تتعلق بالأكل، أو الشرب، أو الدواء، أو الملبس، وأنا على هذا الحال حتى الآن، فما حكم ما أنفقته حتى الآن في المصاريف التي انقضى نفعها، كالكهرباء، والغاز، وغيرها؟ وما حكم الأشياء التي اشتريتها من هذه النقود، والتي لا زلت أنتفع بها حتى الآن، كالكمبيوتر، والمراوح، وغيرها؟ وهل اقتراحي هذا على أخي ذنب يجب عليّ التوبة منه؟ مع أن إيداع ماله في بنك ربوي في الأصل لا يتعلق بي، وإنما يتعلق باقتراح الوديعة فقط. وماذا أفعل وأنا حتى الآن أتعالج بالرقية الشرعية، والأدوية النفسية، ولكني لا أستطيع العمل، أو التعلم؛ لسوء حالتي الصحية، والعقلية؟ وأود أن أضيف أن أخي الآن لن يخرج ماله من الوديعة، سواء أخذتُ فائدتها أم لا، وقد تأكدت من ذلك بعد أن تحدثت معه. وقد مرت عليّ عدة سنوات كنت أشتري أشياء لا أحتاجها بهذه النقود الربوية، بل أشتريها على سبيل الرفاهية فقط، ثم هداني الله منذ أربع سنوات، فأصبحت لا أصرفها إلا على ما أحتاجه، كالكهرباء، وغيرها، وأما ما اشتريته من أشياء على سبيل الرفاهية، فلم أعد أستعمل ما يصلح للاستعمال منها الآن، فماذا أفعل لأتوب من هذه الأشياء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنجمل الجواب ما سألت عنه في النقاط التالية:
أولاً: نسأل الله أن يمن عليك بالشفاء، وأن يلبسك ثوب الصحة والعافية، إنه جواد كريم.
ثانيًا: اقتراحك على أخيك أن يودع ماله وديعة طويلة الأجل بالبنك الربوي، لا يجوز، فاستغفر الله تعالى منه، وكون الأخ قد كان يودع ماله قبل ذلك بنفس البنك الربوي، فيتحمل هو إثم ذلك، لكن كان الواجب نصحه بالكف عن ذلك، لا إقراره عليه.
ثالثاً: ما ذكرته من حالك يظهر منه كونك فقيرًا محتاجًا، وإذا كان كذلك، فأنت من مصارف المال الحرام، قال النووي في المجموع: وإذا دفعه -المال الحرام- إلى الفقير لا يكون حرامًا على الفقير، بل يكون حلالًا طيبًا. انتهى.
وعليه؛ فلا حرج عليك فيما استعملته من ذلك فيما مضى، وإذا ملكته بقبضك له، فيصح لك الانتفاع به في كل ما هو مباح.
رابعًا: لا تمل من نصح أخيك بالكف عن استثمار المال في البنك الربوي، ويمكنه أن يستثمره بالبنوك الإسلامية الموجودة هناك، وينتفع بالأرباح التي سيعطاها نتيجة استثمار المال فيما هو مباح، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها مع وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام. انتهى.
والله أعلم.