عنوان الفتوى : لا ينبغي للمسلم استصغار الذنوب
السؤال
أسأل الله الشكور أن يجزيكم عن المسلمين خير الجزاء، فأنتم لا تدرون أثر ما نقرأ من جميل فتاويكم.
أنا امرأة مطلقة، ولديّ قدرات جيّدة وجميلة، ولديّ مدخول مالي جيد، وأحببت زميلي المتزوج في العمل كثيرًا، وأحبني، وأنا متعلّقة به كثيرًا، وهو يكبرني بستة عشر عامًا، وفيه صفات حميدة، وعلى خُلُق ودِين، واتفقنا على الزواج في عدة أشهر، وبدأنا نتكلم مع بعضنا، وتجاوزنا الحدود في الكلام قليلًا، وأعربت فيه عن حبّي الشديد له، وتعلّقي به، وإعجابي به، وكنت ألوم نفسي باستمرار، وأقول: ما هكذا يستحق ربي، وهو طلب مني أن أتوقف عن ذلك مرات عدة، ويقول: دعي الأمر في حينه، وكلّميني في العمل فقط ضمن الحدود، وكنت أستجيب فترة، ولكن سرعان ما أضعف، خاصة في ظل الظروف التي أعيشها، فأنا شابة، وكنت أشعر أن هذا الأمر يعطيني شيئًا من السعادة، وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
كانت الأمور بخير، إلى أن علمت زوجته بالأمر، وتجسّست على هاتفه من هاتف آخر، وبدأت تحتفظ برسائلي كلها، وأنا كنت أقنعه أن الزواج ليس حرامًا، وأنه شرع الله؛ خوفًا من أن يتركني، ولم يخطر ببالي أنها تتجسس، فجعلت تتصل بي، وتهدّدني هي وأبناؤها، إن لم أبتعد عنه بأنها ستفضحني في عملي، وهو طلب مني ألا أكلّمه بعد ذلك، ثم أخبرني أن هذا مؤقت إلى أن يقضي الله ما يشاء بطريقة شرعية، ثم توقّفنا عن الكلام في غير العمل، ولام زوجته على فعلها، ونهرها، وتشاجرا بسببي، وزوجته ما زالت ترفض حتى كلامنا في العمل، وما زالت تهدّد بفضحي إن اقتربت منه، أو تزوّجت به، وتنعتني بأقبح الألفاظ.
مررت بظروف صعبة جدًّا جدًّا، وعشت ذلّ المعصية، وأن أمري بيد غيري، ويئست من كل شيء حولي، وأحيانًا أفقد ثقتي بكل شيء، حتى بالله -والعياذ بالله-، وأسأله: لم مكّن هذه المرأة من زلاتي، وأنا طالما كنت ملتزمة، ولكني ضعفت في مرحلة من حياتي!؟
أنا أخاف من الفضيحة إن تزوجتُ به، وأخاف من ردّة فعلها عليّ، وأن تقول للناس: هي تلاحقه، وتتّهمني، وأنا أنفق على أبنائي، وقوتهم جلّه عليَّ، وفي الوقت نفسه أحبه ويحبني، ونريد الزواج، ولكنها قد تمنع ذلك، وأنا أقبله، وهو يقبلني بكل شيء، فكيف أتصرف؟ وهل هذه إشارات من الله أن هذا الزواج ليس خيرًا؟ هل يحق لها -ولو كنت أخطأت في لحظة ضعف- أن تتجسّس وتراقب زوجها؟ وهل هنتُ على الله؛ لأنني عصيته؟ وهل أتزوّجه؟ وماذا لو فضحتني وتهجّمت عليّ؟ وكيف أنساه؟ لست أدري ماذا أفعل؛ فأنا أشعر أنني في بحر لجيّ.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على إعجابك بموقعنا، وثقتك بنا، وكتابتك إلينا، ونسأل الله تعالى أن يوفّقنا وإياك إلى خدمة دِينه، وأن يستعملنا في طاعته، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، ونسأله سبحانه أن ييّسر أمرك، ويفرّج كربك، ويرزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه.
ونوصيك بكثرة الدعاء، وتفويض أمرك إلى الله؛ ليختار لك الزوج الصالح، فإنك لا تدرين أين الخير، وقد يكون هذا الرجل خيرًا، ولكن لا يكون في زواجك منه خير لك.
وينبغي للمسلم إذا أصابه شيء أن يلوم نفسها، ويتّهمها هي أولًا، وأن هذا بسبب تفريطها وتقصيرها، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}، وفي الأثر عن الفضيل بن عياض أنه قال: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
ولو أنك اتّقيت الله عز وجل؛ لكنت في عافية مما أصابك من الهمّ والغمّ، فأقبلي على التوبة النصوح، وسؤال الله المغفرة.
ولا ينبغي للمسلم بحال أن يستصغر ذنبًا، بل فلينظر إلى عظمة من عصاه، ولا ينظر لصغر الذنب.
وما ذكرت من فقدك الثقة في نفسك، وفي كل شيء، حتى في الله سبحانه، نوع من الخواطر الشيطانية التي يجب عليك مدافعتها، وعدم الاسترسال معها؛ فعواقبها خطيرة، ومن ذلك: سوء الظن بالله؛ فإنه من شيم المنافقين، كما سبق بيانه في الفتوى: 235426، والفتوى: 177463.
وإن كانت زوجته قد تجسّست على هاتفه، فإنها تكون قد أساءت بذلك، فالتجسّس محرم بدلالة الكتاب، والسنة، كما سبق بيانه في الفتوى: 30115.
ولكننا لا نستطيع الجزم بأن زوجته قد فعلت ذلك قصدًا، فمن الممكن أن يكون قد وقع مصادفة من غير اختيار منها، فلا تؤاخذ حينئذ على ذلك؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.
والله أعلم.