عنوان الفتوى : الترهيب من سوء الظن بالله
ما حكم أن يقول الشخص: أنا فقدت ثقتي بالله؟ وماذا عليه فعله في هذه الحالة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تفوه هذا القائل بعظيم من القول، وأتى منكرا من الكلام، والواجب عليه أن يبادر بتوبة نصوح إلى الله تعالى، وأن يحسن ظنه بربه تعالى، ويعلم أن قضاء الله دائر بين الفضل والعدل والرحمة والحكمة والمصلحة، إن ربي على صراط مستقيم، فاختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، وتدبير الله للعبد خير من تدبيره لنفسه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، وليعلم أن كلمته تلك دالة على سوء ظنه بربه وقنوطه من رحمته ويأسه من روحه تعالى، وهذا من كبائر الذنوب وموبقات الآثام، قال الفقيه ابن حجر: الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ: سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ، أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَقَالَ عَزَّ قَائِلًا: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ {الحجر: 56} وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ـ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ـ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ. انتهى.
وقد يكون سوء الظن بالله أو ما عبر عنه القائل بفقد الثقة به سبحانه فوق مجرد كونه كبيرة، بل قد ينافي أصل التوحيد والعياذ بالله فالأمر خطير وليس هو بالأمر الهين، قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ـ رحمه الله ـ في إيثار الحق ما مختصره: قد ورد الوعيد الشديد على سوء الظن بالله تعالى كما في نهي الملائكة للخليل عليه السلام عن القنوط وجوابه عليهم، وقال الله تعالى في ذَلِك: وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله ولقائه أُولَئِكَ يئسوا من رَحْمَتي وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم ـ فَخص الْكَافرين باليأس من رَحمته وتوعدهم عَلَيْهِ بأليم عِقَابه، وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ ـ وَقَالَ: إِنَّا كُنَّا من قبل نَدْعُوهُ أَنَّه هُوَ الْبر الرَّحِيم ـ بِفَتْح همزة أَنه وَهِي قِرَاءَة، وَبِذَلِك وَردت السّنة الصَّحِيحَة المفسرة لِلْقُرْآنِ، فصح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله أَنه قَالَ: يَقُول الله عز وَجل: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي مَا شَاءَ ـ وَحَدِيث الْأَمر بِقبُول الْبُشْرَى، وقد ينتهي ذَلِك إِلَى الْكفْر إذا رد ذَلِك أحد بعد التَّوَاتُر لَهُ ومعرفته بتواتره عنادا. انتهى.
وقال الشيخ ابن فوزان: هذا، وهناك أشياء تنافي التوحيد، وتقتضي الردة عن دين الإسلام، منها: سوء الظن بالله، فسوء الظن بالله خطير، لأن حسن الظن بالله من واجبات التوحيد، وسوء الظن به ينافي التوحيد، وقد وصف الله المنافقين بأنهم يظنون به غير الحق، فقال تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ـ وأخبر عنهم في الآية الأخرى أنهم يظنون به ظن السوء، فقال: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً. انتهى.
فالواجب على هذا الشخص -كما ذكرنا- أن يبادر بتوبة نصوح تمحو أثر ذنبه، وأن يحسن ظنه بربه تعالى، ويطمئن إلى موعوده، ويسلم لحكمه، ويرضى بقضائه وقدره.
والله أعلم.