عنوان الفتوى : هل التداوي من الأمراض النفسية يتنافى مع الستر والصبر والتوكل؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السؤال

ما حكم العلاج عند الطبيب النفسي والعصبي؟ وهل هذا يتنافى مع الستر، والصبر، والتوكل على الله؛ لأن الطبيب إنسان في النهاية؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي، وشرعه لأمته، وليس التداوي منافيًا للتوكل، بل هو من كمال التوكل، والتفويض إلى الله تعالى؛ لأنه أخذ بالأسباب المأمور بها، قال ابن القيم ما مختصره: رَوَى مسلم فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أبي الزبير، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ، بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عطاء، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، «عَنْ أسامة بن شريك، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَتِ الْأَعْرَابُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: "نَعَم -يَا عِبَادَ اللَّهِ- تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ"، قَالُوا: مَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ». وَفِي لَفْظٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ». وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ». وَفِي الْمُسْنَدِ، وَالسُّنَنِ: «عَنْ أبي خزامة، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا، وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ».

فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إثْبَاتَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ، وَإِبْطَالَ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَهَا... وَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْأَمْرُ بِالتَّدَاوِي، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، كَمَا لَا يُنَافِيهِ دَفْعُ دَاءِ الْجَوْعِ، وَالْعَطَشِ، وَالْحَرِّ، وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، بَلْ لَا تَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ إِلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ مُقْتَضَيَاتٍ لِمُسَبَّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ تَعْطِيلَهَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ التَّوَكُّلِ، كَمَا يَقْدَحُ فِي الْأَمْرِ، وَالْحِكْمَةِ، وَيُضْعِفُهُ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ مُعَطِّلُهَا أَنَّ تَرْكَهَا أَقْوَى فِي التَّوَكُّلِ، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَجْزًا يُنَافِي التَّوَكُّلَ الَّذِي حَقِيقَتُهُ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي حُصُولِ مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا الِاعْتِمَادِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ، وَإِلَّا كَانَ مُعَطِّلًا لِلْحِكْمَةِ وَالشَّرْعِ، فَلَا يَجْعَلُ الْعَبْدُ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا، وَلَا تَوَكُّلَهُ عَجْزًا. انتهى.

والأمراض النفسية والعصبية داخلة في عموم الأمراض التي أمر العبد بالتداوي منها، وأخذ الأسباب لعلاجها.

ومن ثَمَّ؛ فليس الذهاب لطبيب نفسي وعصبي مما ينافي التوكل على الله تعالى، بل هو من كمال التوكل عليه سبحانه، كما بينا.

ولا يتنافى ذلك مع الصبر أيضًا؛ فإن الصابر لا تثريب عليه في الدعاء بالشفاء، وطلبه من مظانّه، وقد قال أيوب -عليه السلام-: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {الأنبياء:83}، وأثنى الله عليه مع هذا بالصبر، فقال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {ص:44}.

وأما الستر؛ فليس المرض من العورات حتى يحتاج إلى ستر.

نعم، لا ينبغي ذكر المرض والشكوى للمخلوق على جهة التسخّط والاعتراض، وأما ذكر المرض على جهة الإخبار، أو ذكره للطبيب بغرض التداوي؛ فليس مما ينهى عنه بحال.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
التداوي بالنحل الميت، وحليبه، وفضلات عثة الشمع، جائز إذا ثبت نفعها
إجبار المريض على إجراء عملية جراحية لخطورة حالته
أحكام تداوي المرأة المسنة عند طبيب
أحكام تناول الأدوية المأخوذة من الحيوانات
حكم إقناع الطبيب للمرضى بإجراء فحوصات إضافية لا يحتاجونها
تداوي المرأة عند طبيب في نهار رمضان إذا كان يتسبب في إفساد الصيام
انكشاف معظم أجزاء جسد المريضة بسبب وصلات الأجهزة الطبية
ترك إنعاش المريض عند طلب الأهل ذلك والخوف من المساءلة القانونية
كشف المرأة شعرها أثناء عمل أشعة الرنين المغناطيسي
قيام الطبيب بإسعاف المرأة
ذهاب المرأة للطبيبة لإزالة شعر العانة
إشكالات لا تمنع دراسة الصيدلة
الجراحة التي عدل فيها الطبيب عن التخدير الموضعي إلى التخدير الكلي
حكم حكاية أفعال الميت السيئة للطبيب النفسي لغرض العلاج