عنوان الفتوى : إقراض الأسهم
السؤال
كانت لديّ أسهم إلكترونية في شركة ما، وكنت محتفظًا بها؛ لأنني بعد دراسة السوق تيقنت من خلال الأخبار وتحليل السوق أنها سترتقع في مدة وجيزة، أي بعد أيام فقط، واتصل بي صديق، وقال لي: أحتاج أسهمك لأغيّرها بأسهم أخرى؛ لأنه اعتقد أنها سترتفع، فقلت له: تحمّل كامل المسؤولية في إرجاع أسهمي بنفس العدد الذي أعطيتك إياه، وسعرها كان 0.04$ للسهم الواحد، وعددها 66 ألف سهم، فأرسلت له الأسهم الإلكترونية على أن يرجعها بعد ثلاثة أو أربعة أيام فقط، وبنفس العدد (وليس القيمة) فقطع الاتصال شهرًا، وماطل في إرجاعها، وبعد شهر أو أقل ارتفعت الأسهم ل 2$، أي أنها وصلت لما كنت قد درسته وتوقعته، فهل هو ملزم بدفع المبلغ الذي وصلت له 2$؟ علمًا أنه إلى الآن لم يعطني المال، ولا الأسهم، وقد فوّت عليّ فرصة ارتفاعها، وأنا أطالبه بإعطائي إياها بسعر 0.5$ فقط، أي (33 ألف دولار)، فما رأي مشايخنا؟ أرجو منكم حل الأمر بيننا.
أما قيمة الأسهم الآن، فلم تعد مرتفعة بسبب تغيرات واستحواذات في الشركة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحقيقة ما تم بينك وبين صديقك أنك أقرضته أسهمك! وإقراض الأسهم محل خلاف بين أهل العلم المعاصرين، فمنهم من منعه، كما جاء في ندوات مجموعة البركة المصرفية، وفتاوى الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار: لا يجوز إقراض الأسهم بمقابل، وكذلك بغير مقابل في حالة كون الموجودات قيمية. ولمنافاة تنفيذ القرض لمبدأ خلط أموال الشركة. اهـ.
وجاء في المعايير الشرعية التي وضعتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، في المعيار (21) المتعلق بالأوراق المالية (الأسهم والسندات):
ـ لا يجوز إقراض أسهم الشركات.
ـ لا يجوز إجارة الأسهم، سواء أكان لرهنها، أم لغرض بيع المستأجر لها وإعادة مثلها، كما يجري في أسواق البورصات، أم لقبض أرباحها، أم لإظهار قوة المركز المالي للمستأجر، أم لغير ذلك.
ـ تجوز إعارة الأسهم لغرض رهنها، أو بقصد منح أرباحها للمستعير، كما يجري عليه العمل في أسواق البورصات، وليس للمستعير بيعها إلا عند تنفيذ الرهن. اهـ. (ص 571، 572).
ومنهم من أجازه، وهو ما رجحه الباحث دبيان الدبيان في كتابه: (المعاملات المالية أصالة ومعاصرة) بعد أن ذكر الأقوال وسبب الخلاف.
قال: الراجح -والله أعلم- أن السهم حصة شائعة، فإذا كان قرض المشاع جائزًا، جاز قرض السهم، ولم يختلف الفقهاء في جواز قرض المشاع.
جاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: "وقرض المشاع جائز بالإجماع"، ونقل الإجماع كذلك ابن عابدين في حاشيته.
وللقاعدة الفقهية التي تقول: إن كل ما جاز بيعه، جاز قرضه؛ فعليه يجوز القرض لكل شيء يجوز بيعه ..
ولأن القرض ليس من عقود المعاوضات، وإنما هو من عقود الإرفاق والإحسان، وهو مبني على المسامحة.
ولجواز قرض الحيوان مع كونه قد يتفاوت تفاوتًا يسيرًا.
وأجاز بعض الفقهاء إقراض الخبز، ولو من غير وزن، بدون قصد الزيادة أو اشتراطها، اختاره محمَّد بن الحسن من الحنفية، وبعض المالكية، والخوارزمي من الشافعية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، ورجّحه ابن تيمية، وابن القيم.
ولأن الزيادة غير المشروطة في حال رد القرض، لا تحرم، بخلاف البيع في المال الربوي.
والمطلوب في الرد أن يرد الأسهم من نفس الشركة.
وتغير قيمة هذه الأسهم، لا يؤثر في صحة القرض، كما لو استقرضت نقودًا، فتغيرت قيمتها، فالواجب رد مثلها. انتهى.
وهذا الترجيح الذي بناه على كون السهم حصةً مشاعةً، وأن القرض عقدُ إرفاقٍ، له حظ من النظر.
وبناء عليه؛ فالواجب على صديقك أن يرد لك مثل أسهمك بعددها، بغضّ النظر عن تغير قيمتها، أو سعرها -زيادة أو نقصانًا-.
والواجب على المقترض الواجد أن يرد القرض في أجله، وإلا فهو آثم وظالم، قال تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ {البقرة:283}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. رواه البخاري ومسلم. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ. رواه أحمد، وأصحاب السنن، وحسنه الألباني.
ولمزيد الفائدة، راجع الفتويين: 32066، 23727.
والذي ننصح به أن من أراد نفع أخيه بقرضه أسهمًا، فليبعها له بثمن معلوم دينًا؛ خروجًا من هذا الخلاف.
والله أعلم.