عنوان الفتوى : الرسم والصور والتصوير الحديث هل هو مضاهاة لخلق الله؟

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

السؤال

أود أن أستفسر عن موضوع، وأرجو ممن يجيب سعة الصدر، وتقبل التفكر والتفكير. وإجابتي بإجابة منطقية قابلة للتطبيق، وليس فقط جواباً على سؤال.
عُرِف أنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان التصوير ببعدين:(رسم) أو بثلاثة (المجسم) وهو مضاهاة لخلق الله، وصنم؛ ولذلك حرم على من يقوم بهذا؛ لأنه لا يفعله إلا من بقي في قلبه ذرة شرك، فلا مبرر لها غير ذلك.
تغير الحال والزمان تغير، لم يعد هناك من يعبد الأصنام، ولم يعد هناك أصلا من يفكر بهذه الأشياء على أنها مضاهاة لخلق الله؛ فالنفس تنكر الأصنام منذ زمن بعيد. لا أحد ينظر لها ويقول في نفسه إنها صنم، وأنها تضاهي خلق الله.
ولعدم التشبه بهم، فنحن لا نقوم بتجسيم أو رسم روح. لكن هل هذا يمنع تعليم الرسم مثلاً؟ لا؛ لأن الرسم في حياتنا يستخدم في الجنائيات للتعرف على المجرمين.
فهو أداة كغيره من الأشياء، لها حدان، فكلٌ مسؤول عن نفسه. لا يجوز قول حرام، دون توضيح جوانب الموضوع، وإدخال المنطق.
الرسول صلى الله عليه وسلم، يسر ولم يعسر، وأشياء الماضي غير الحاضر والمستقبل.
التصوير الرقمي:
أرى من يقول حكما يحفظه ولا يتدارسه: فمن حرّم التصوير الرقمي، ألا يفكر بأن هذا ينزع الحياة ويغيرها جذريا، ليس سهلا قول الحكم، حياتنا كلها رقمية.
فإن كانت الصورة حراما إلا للضرورة، كصورة البطاقة الشخصية والخ. فماذا عن الفيديو، فهو صور متلاحقة، لا فرق فيها عن الصورة الثابتة. والفيديو بضغطة زر نوقفه فيصبح صورة، وبأخرى يتحرك، إذن أحصل على الكثير من الصور، فإن كانت الصورة حراما، فالفيديو حرام، واليوتيوب حرام، والفيسبوك حرام.
كل هذه وغيرها، وما نعيشه يحتوي على التصوير الرقمي بشكل مصغر أو كبير. فإن كان كل هذا حراما، إذن نحن نعيش في حرام ونحن لا ندري!
من المؤكد لا، العقل وتقوى الله تقول لا؛ لأن في حياتنا من الطبيعي وجود هذه الأشياء.
نحن لا نصور الفيديو والصور لمضاهاة خلق الله، لا أحد يخالجه شيء من هذا التفكير، نعكس ما خلق الله فقط، لم نأت بشيء جديد، خلق الله بقي نفسه. حتى الشيخ نفسه الذي يقول هذا الكلام، هل هو قادر على تنفيذه؟ لا؛ لأنه داخل في جميع أشياء حياته، وقوله تعسير للحياة الطبيعية وتكريه للناس بدينهم. وديننا الحنيف أتى ليسهل على الناس لا ليعسر عليهم.
هل يُعقل إن قام الأهل بتصوير طفلهم منذ ولادته؛ لكي عندما يكبر، ينظرون للصور على أنها تضاهي خلق الله، أم إنها تعكس خلق الله نفسه.
أرجو التوضيح بالتطبيق.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نجمل الجواب في النقاط التالية:

1- المضاهاة في اللغة هي مشاكلة الشيء بالشيء، والمقصود بها في الحديث: صنع هيئة على صورة ما خلق الله من ذوات الأرواح.

 قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" أي يُشَبِّهُونَ ما يصنعونه بما يصنعه الله. ووقع في رواية الزهري عن القاسم عند مسلم: "الذين يُشَبِّهُونَ بخلق الله". اهـ. 

وقال البيضاوي في شرح مصابيح السنة، وتبعه الطيبي في شرح المشكاة: (يضاهون) أي: يشابهون, فيفعلون ما يضاهي خلق الله, أي: مخلوقه, أو يشبهون فعلهم بفعله, أي: في التصوير والتخليق. اهـ.

وقال الكرماني في شرح صحيح البخاري: {يضاهون}: أي يشابهون لخلق الله تعالى، أي المصورين بمثل هذه التماثيل. اهـ.

وقال الصنعاني في شرح الجامع الصغير: والمراد الذين يصورون صور ما خلق الله. اهـ. 

وقال ابن علان في دليل الفالحين: أي الذين يشبهون ما يصنعونه بما يصنعه الله. اهـ.  

وهذه المضاهاة لا تقتصر عند أكثر العلماء على قصد المخلوق أن يتشبه بفعل الخالق، وإنما تحصل بمجرد تصوير المخلوق لشيء كخلق الله تعالى مما فيه روح. وإن كان بعض أهل العلم قد خص الوعيد الشديد -بأنه أشد الناس عذابا- بمن قصد التشبه بفعل الخالق.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وخص بعضهم الوعيد الشديد بمن صور قاصدا أن يضاهي، فإنه يصير بذلك القصد كافرا.

وسيأتي في باب: ما وطئ من التصاوير بلفظ: "أشد الناس عذابا الذين يضاهون بخلق الله تعالى" وأما من عداه فيحرم عليه ويأثم، لكن إثمه دون إثم المضاهي. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: التصوير المذكور ينطبق على التصوير باليد بأن يخطط الإنسان الصورة بيده حتى يكملها، فتكون مثل الصورة التي خلق الله تعالى؛ لأنه حاول أن يبدع كإبداع الله تعالى، ويخلق كخلقه، وإن لم يقصد المشابهة؛ لأن الحكم إذا علق على وصف تعلق به، فمتى وجد الوصف وجد الحكم.

والمصور إذا صنع الصورة تحققت المشابهة بصنعه، وإن لم ينوها، والمصور في الغالب لا يخلو من نية المضاهاة، ولذلك تجده يفخر بصنعه كلما كانت الصورة أجود وأتقن. اهـ.

2- كون التصوير ذريعة للشرك أمر لا يخلو منه زمان، على تفاوت ذلك بين الأمم والشعوب ظهورا وخفاء، قلة وكثرة. ولا يزال هناك من يعلق صور من يعتقد فيهم الولاية والصلاح، في بيته ومحله؛ حفظا للمكان، واستجلابا للبركة، ومراعاة لمراقبة الشيخ!

وقال الأستاذ الدكتور مصطفي حلمي في كتابه (معرفة الله عز وجل وطريق الوصول إليه عند ابن تيمية): في العصر الحديث على إثر الاستعمار الغربي ظهر بناء التماثيل والاحتفال بها، أو ما يسمى بـ (النصب التذكارية) وهي كلها أصنام. والاحتفال بها نوع من الوثنية التي نهى الإسلام عنها. وربما يتحذلق المتغربون فيعتبرون ذلك من قبيل التمدين والتحضر لا العبادة؛ لأن الإنسانية ارتقت ومضت عصور الجاهلية الأولى التي كان العرب وغيرهم يعبدون الأصنام إبانها. ولكن الحقيقة أن وضع التماثيل للموتى يشبه تمامًا ما كان يفعله أهل الجاهلية إذا بحثنا في الأثر الواحد لكلا الفعلين، فإن العبرة بالأثر النفسي الذي يتركه كل منهما، فإن عبادة الأصنام (لا تعني بالضرورة فقط أداء عبادة شعائرية أمام شيء مادي، فصور الزعماء والشخصيات المشهورة عندما تعلق على الجدران بطريقة عامة، وتوزع في كل مكان، تتسبب بالتأكيد في خلق عبودية فكرية، وإجلال إلهي لهؤلاء الأشخاص وخلق عظمة ثابته مؤثرة (بدلًا من عظمة الله سبحانه وتعالى) في عقولهم ونفوسهم، وهذا بالتأكيد شكل من أشكال عبادة الأصنام.

 فعندما استولت روسيا على بولندا، جلبت آلاف الألوف من صور ستالين لتعلق في كل بلدة وقرية هناك .. واعتاد جنود النازي وضع صور هتلر على صدورهم، وكانوا عندما يصابون في المعركة ويلفظون أنفاسهم الأخيرة في المستشفيات يشاهدون وهم يقبلون صور هتلر، ثم يضعونها على أعينهم. اهـ.

3- التصور الورقي بالآلة (الفوتوغرافي) محل خلاف معتبر بين أهل العلم، والمفتى به عندنا جوازه، وأقرب منه للحِلِّ وأبعد عن الحرمة: التصوير المرئي والرقمي، ولذلك أجازه بعض من ذهب لحرمة التصوير الفوتوغرافي.

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع، بعد أن بين حرمة التصوير باليد لذوي الأرواح: وأما الصور بالطرق الحديثة، فهي قسمان:

القسم الأول: ما لا يكون له منظر ولا مشهد ولا مظهر، كما ذكر لي عن التصوير بأشرطة الفيديو، فهذا لا حكم له إطلاقا، ولا يدخل في التحريم مطلقا، ولهذا أجازه أهل العلم الذين يمنعون التصوير بالآلة الفتوغرافية على الورق، وقالوا: إن هذا لا بأس به...

القسم الثاني: التصوير الثابت على الورق، وهذا إذا كان بآلة فوتوغرافية فورية، فلا يدخل في التصوير، ولا يستطيع الإنسان أن يقول: إن فاعله ملعون؛ لأنه لم يصور في الواقع... اهـ.

وراجعي للفائدة، الفتاوى: 214816، 119052، 322528، 10888.

والله أعلم.