عنوان الفتوى : الدعاء عند القبر ووصف المدفون فيه بأنه قطب الوقت
السؤال
توفي رجل من أهل العلم والصلاح كما هو معروف عنه، وله بعض الكرامات. ويقال إنه من آل البيت، وهو الشيخ أحمد عبد الكريم الترمانيني من حلب.
السؤال: بعد وفاته كُتِب على شاهدة قبره، الشعر التالي:
رحم الله ضريحاً .... لذوي الحاجات يقصد
ضم قطب الوقت أرّخ .... شيخ أهل العصر أحمد
فما رأي أهل العلم في هذا الشعر؟ وهل هو خال من المخالفات الشرعية؟!!
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الشعر لا يخلو من مخالفات شرعية، وذلك أن زيارة القبور إنما تشرع بقصد الدعاء لأهلها بالرحمة والغفران، ورفع الدرجات عنده سبحانه، ولأخذ العظة والعبرة من حال أهل تلك الدار. وأما غير ذلك، فهو من ذرائع الغلو المفضي في الغالب إلى الشرك عند كثير من العوام، كما هو مشاهد للعيان على مر التاريخ.
وأما قصْدَ القبور للدعاء عندها، ظنا أن الدعاء عندها أقرب للإجابة منه عند غيرها، فقد نص جماعة من أهل العلم على أنه محرم، أو مكروه كراهة شديدة.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- مبينا حكم قصد القبور للدعاء عندها: فمما يدخل في هذا قصد القبور للدعاء عندها، أو لها، فإن الدعاء عند القبور وغيرها من الأماكن ينقسم إلى نوعين:
أحدهما: أن يحصل الدعاء في البقعة بحكم الاتفاق، لا لقصد الدعاء فيها، كمن يدعو الله في طريقه، ويتفق أن يمر بالقبور أو من يزورها، فيسلم عليها، ويسأل الله العافية له وللموتى، كما جاءت به السنة. فهذا ونحوه، لا بأس به.
الثاني: أن يتحرى الدعاء عندها بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه في غيره. فهذا النوع منهي عنه إما نهي تحريم، أو تنزيه، وهو إلى التحريم أقرب.
والفرق بين البابين ظاهر: فإن الرجل لو كان يدعو الله واجتاز في ممره بصنم أو صليب أو كنيسة، أو كان يدعو في بقعة وكان هناك بقعة فيها صليب وهو عنه ذاهل، أو دخل إلى كنيسة ليبيت فيها مبيتا جائزا، ودعا الله في الليل، أو بات في بيت بعض أصدقائه ودعا الله لم يكن بهذا بأس.
ولو تحرى الدعاء عند صنم أو صليب، أو كنيسة يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة، لكان هذا من العظائم، بل لو قصد بيتا أو حانوتا في السوق، أو بعض عواميد الطرقات يدعو عندها يرجو الإجابة بالدعاء عندها، لكان هذا من المنكرات المحرمة؛ إذ ليس للدعاء عندها فضل.
فقصد القبور للدعاء عندها من هذا الباب، بل هو أشد من بعضه؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن اتخاذها مساجد، وعن اتخاذها عيدا، وعن الصلاة عندها، بخلاف كثير من هذه المواضع. انتهى.
وأما قصد القبور لدعاء الموتى المقبورين فيها من دون الله، فهو من الشرك الذي لا يغفره الله تعالى، ويبعد حصوله من مسلم عنده مسكة من عقل أو دين، قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ {الأحقاف:5-6}.
وقال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ {فاطر:13-14}. والآيات والأحاديث في بيان أن الدعاء عبادة لا تصرف إلا لله تعالى، مشهورة لا تحصى كثرة.
وفي البيت الثاني من الغلو ووصف الرجل بأنه قطب الوقت ما لا يخفى، ومن المعلوم أن الاعتقاد بوجود أقطاب ونحو ذلك هو اعتقاد بدعي حادث، لم يعرف عن السلف الصالح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كل حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدة الأولياء، والأبدال، والنقباء، والنجباء، والأوتاد، والأقطاب، مثل أربعة، أو سبعة، أو اثني عشر، أو أربعين، أو سبعين، أو ثلاثمائة، أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد، فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال. انتهى.
والخلاصة أن على من كتب هذا الشعر أن يتوب إلى الله، وأن يمحو ما كتبه؛ فإن ذلك من الغلو المذموم الذي لا يرضي الله تعالى، ولا ينفع صاحب القبر، إضافة أن الكتابة على القبر عموما مما ثبت النهي عنه. وراجع للفائدة، الفتوى: 142709.
والله أعلم.