عنوان الفتوى : مغفرة الله للتائبين توبة نصوحا لا يتعاظمها ذنب
السؤال
أغلق الله في وجهي باب التوبة بعد أن نزل بي عذاب خارق للعادة، وذلك بسبب عتوي، فأنا أعشق الصور الجميلة لمدة تزيد عن أربعين سنة، رغم أن الله أرسل لي آيات بينات كثيرة واضحة مثل الشمس، وأخذني بأشد أنواع العذاب لكي أتوب؛ إلا أنني لم أتب، واستمررت في المعصية، حتي نزل بي هذا العذاب البئيس، الذي هو ليس مرضا طبيا، ولا مرضا نفسيا، ولا مسا من الجان، أو مثل عذاب الأمم السابقة.
إنه عذاب غريب اختصني الله به، فأنا أعتبر أني كفرت عين اليقين. وليس علم اليقين، وهناك فرق لا يخفى على أحد بينهما، فكفر علم اليقين يكون معه إمهال. أما كفر عين اليقين، فلا بد من نزول عذاب خارق للعادة.
هذا، وقد حملني الله الإصر، وما لا طاقة لي به، هذا وتنطبق علي آيه المائدة: فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبة أحدا من العالمين.
وأعيش الآن مبلسا في هذا العذاب الذي يصعب وصفه، وذلك منذ خمس سنوات.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة بابها مفتوح حتى يعاين العبد الموت، كما جاء في حديث ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان، وبوَّب عليه: ذكر تفضل الله جل وعلا على التائب بقبول توبته كلما أناب ما لم يغرغر حالة المنية به. اهـ. وصححه الحاكم.
فمغفرة الله للتائبين توبة نصوحا لا يتعاظمها ذنب، ولو كان الشرك بالله، فمن تاب صادقا، فإن ذنبه مغفور مهما كان ذلك الذنب عظيما، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والله تعالى غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، والذنب وإن عظم، والكفر وإن غلظ وجسم؛ فإن التوبة تمحو ذلك كله، والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، بل يغفر الشرك وغيره للتائبين؛ كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين. اهـ.
والله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}، والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.
بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.
فأعرض عن الوساوس والترهات، وبادر بالتوبة والإنابة، وراجع في ذكر ما يعين على التوبة الفتوى: 28748.
وراجع في علاج الوسواس الفتوى: 3086.
والله أعلم.