عنوان الفتوى : هل للزوج هجر زوجته إن رفضت زيارة أهله بسبب أذيتهم لها؟
السؤال
ما حكم الإسلام في زوج يقاطع زوجته منذ أسبوعين وأكثر - لا كلام، ولا علاقة، ولا مودة ورحمة-؛ بسبب ابتعاد زوجته عن أهله لأذيتهم النفسية، والبدنية لها، والابتعاد تم من دون مشاكل، ولا كلام، فالزوجة ذهبت إلى شقتها، وأصبحت وحدها، وهو يعاقبها لعدم نزولها لأهله، وقالت: نفتح صفحة جديدة، وتصلح علاقتك بأهلي، وأنا سأصطلح مع أهلك، فلم يوافق، وقال: لا أحد يشترط عليّ، ومنذ ذلك الوقت وهو يعاقب امرأته بهجرها، وعدم التحدث إليها.
ولاحظت الزوجة أنه في هذه الفترة يقوم بعمل استمناء لنفسه في الحمام، والزوجة موجودة معه في نفس البيت، ولم تمنع نفسها عنه، وقد تعبت الزوجة تعبت، فحوارات أهله مستمرة منذ سنتين، وهي لم تخطئ في حق أحد أبدًا، بل التزمت بيتها، وأرادت المحافظة على بيتها؛ لأن لديها بنتًا.
وقد بدأ الزوج مرحلة أخرى من العقاب، بألّا يأكل أكل زوجته، ولا ينام في نفس سريرها، فماذا تفعل هذه الزوجة في هذا الوضع؟ وهل عليها إثم أو حرمة؟ وما حكم ما يفعله هذا الزوج؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للرجل أن يهجر زوجته، إلا إذا عصته، ونشزت عن طاعته، ويكون الهجر على الوجه الذي جاء به الشرع، ولا يتبع في ذلك هواه، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 71459، والفتوى: 389584.
فلا يسوغ هجره زوجته للسبب المذكور، فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، ويقوم بما يجب عليه تجاهك من المعاشرة بالمعروف، كما أمره الله عز وجل في قوله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، قال السعدي في تفسيره: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة. اهـ.
وينبغي للزوجة أن تحاور زوجها بالحسنى، إن وجدت لذلك سبيلًا، وإلا فلتوسط العقلاء من الناس ليناصحوه.
وينبغي أن تكون المعاشرة بين الأصهار أيضًا بالمعروف، فتحسن الزوجة معاملة أهل زوجها، ويحسنون معاملتها، وكذا الحال بالنسبة لزوجها مع أهلها، فهذه العلاقة -نعني المصاهرة-، امتنّ الله عز وجل بها على عباده، فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}.
وجاءت السنة باعتبار هذه العلاقة، والوصية بها، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى من ربطته بهم مصاهرة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة، ورحمًا. ـ أو قال: ذمة، وصهرًا.
فنرجو المبادرة للإصلاح، وترك الفرقة، والشقاق؛ فالإصلاح بين الناس من أفضل القربات، قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}، وروى أحمد، وأبو داود، والترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة. قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة.
ولم نفهم ما عنيت بما ذكرته في آخر السؤال، فإن كنت تسألين عن الإثم: فليست الزوجة آثمة بابتعادها عن أهل زوجها؛ بسبب أذيتهم لها.
ويأثم زوجها بهجره لها لغير مسوغ شرعي.
وإن كنت تسألين عما إن كانت تحرم على زوجها بسبب هذه التصرفات، فلا تحرم عليه بذلك، فالأصل بقاء النكاح؛ حتى يثبت زوال العصمة بطلاق، ونحوه.
والله أعلم.