عنوان الفتوى : هل توجد معجزة علمية في سورة الطارق؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

شاهدت مقطع فيديو يُظهر صوت النجم النابض، ويُزعم أن هذا النجم هو أحد ألمع الأشياء في الكون بأسره، إن لم يكن أكثرها، كان صوت النجم النابض صوت شخص يطرق، ورأيت المسلمين يقولون: إن في سورة الطارق مكتوب أن الطارق هو: اسم البداية في السماء التي لها سطوع خارق، لذلك خلصت هذه الجماعات الضخمة من المسلمين إلى أن هذه معجزة قرآنية حقيقية؛ لأنه لم يكن من الممكن أن يعرف محمد صلى الله عليه وسلم أن النجم الذي له بريق خارق صوت يطرق، وهذا النجم هو: نجم بولسار، وله في الواقع صوت يطرقه أحدهم، والذي تم فك شفرته بواسطة العالم الحديث، ومتوفر على موقع يوتيوب. فهل هذه معجزة علمية؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولًا:

قال الله تعالى في أول سورة الطارق: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ، وأنه سبحانه يقسم بالسماء والطارق، والطارق هو النجم الثاقب، أي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات فينفذ حتى يُرى في الأرض، وهو اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب . "تفسير السعدي" (ص919).

وقال العلامة ابن عاشور، رحمه الله: " افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه كما تقدم في سوابقها. ووقع القسم بمخلوقين عظيمين فيهما دلالة على عظيم قدرة خالقهما هما: السماء، والنجوم، أو نجم منها عظيم منها معروف، أو ما يبدو انقضاضه من الشهب كما سيأتي.

والطارق: وصف مشتق من الطروق، وهو المجيء ليلا لأن عادة العرب أن النازل بالحي ليلا يطرق شيئا من حجر أو وتد إشعارا لرب البيت أن نزيلا نزل به لأن نزوله يقضي بأن يضيفوه، فأطلق الطروق على النزول ليلا مجازا مرسلا فغلب الطروق على القدوم ليلا.

وأبهم الموصوف بالطارق ابتداء، ثم زيد إبهاما مشوبا بتعظيم أمره بقوله: وما أدراك ما الطارق ثم بين بأنه: النجم الثاقب ليحصل من ذلك مزيد تقرر للمراد بالمقسم به وهو أنه من جنس النجوم، شبه طلوع النجم ليلا بطروق المسافر الطارق بيتا بجامع كونه ظهورا في الليل" انتهى من "التحرير والتنوير" (30/258).

وقال ابن القيم رحمه الله: "والمقسم عليه ههنا حال النفس الإنسانية، والاعتناء بها، وإقامة الحفظة عليها، وأنها لم تترك سدى، بل قد أرصد عليها من يحفظ عليها أعمالها ويحصيها. فأقسم سبحانه أنه ما من نفس إلا عليها حافظ من الملائكة يحفظ عملها وقولها ويحصي ما تكتسب من خير أو شر" انتهى من "التبيان في أقسام القرآن" (ص 64) .

وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (178888).

ثانيا

وأما اكتشاف وجود نجوم نابضة تصدر أصواتًا كالمطارق، فهذا ليس ممنوعا في نفسه.

وهل الآية تدل عليه؟

نحن لا نجزم بمثل ذلك، وإن كنا نقول: إنه لا يمنع أن يكون لفظ "الطارق"، وإن كان معناه ما سبق بيانه، من الطروق ليلا؛ فإنه لا مانع أن يكون هذا الطارق ليلا، يصدر منه صوت كصوت المطرقة، إن صح ذلك، ولا يمنع أن يدل عليه اللفظ، ويكون من باب حمل المشترك على "معنييه" جميعا، وهو قول الإمام الشافعي ومن وافقه من الأصوليين.

وعلى ذلك؛ فالآية محتملة لها، وليس فيه نفي ما ذكره السلف كذلك؛ لأن الطرق وصف، فلا يمنع أن يكون وصفًا لنور النجم، أو لما ينتج عنه من موجات.

وانظر للفائدة هذا الرابط.

على أنا لا نقول بما في الرابط المذكور، لكن يبقى ما ذكر محتملًا.

ثالثا:

القرآن الكريم يأتي بما يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومع ذلك: فإنَّ ما يسمى الآن الإعجاز العلمي بصورته الحالية، فيه خللٌ كبير من الناحية الشرعية، ومن الناحية التجريبية كذلك، وأكثر التفسير الواقع بالإعجاز العلمي مجازفة، وتخرص، وقول على الله تعالى بغير علم. مع الخلل الشديد في تطبيق العلم التجريبي على نصوص الوحي.

وبكل حال؛ فنحن وإن قلنا: إن في القرآن إشارات لأمور من العلوم، لم تكون معلومة لأهل الزمان الأول، ثم عرفها الناس حديثا، وأن هذا هو ما يعرف بـ"الإعجاز العلمي للقرآن الكريم"؛ فمن الغلط والشطط الحاصل: ما نراه من إسراف وتكلف في تحميل كثير من آيات القرآن ما لا تحتمله بمقتضى اللسان العربي؛ بغية موافقة ذلك لمكتشف علمي، أو نظرية، أو بحث تجريبي!

ومن الخلل الموجود عند نفر من المشتغلين بهذا الباب: تصحيح بعض الموضوعات والأحاديث الضعيفة جدًا لكي تقوى حجتهم، ومن العجب أنهم يقولون إنَّ تضعيف العلماء لها، إنَّما حصل لأجل عدم علمهم بالمكتشف الجديد!!

والقرآن المجيد كتاب هداية للبشر؛ وليس كتاب فلك، ولا طب، ولا فيزياء؛ وكل ما يمكن أن يقدر فيه من إشارات لذلك، فإنما جاءت فيه بالتبع، لا بالقصد الأول.

قال الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  المائدة/15-16.

ونسوق نصًّا للعلامة د. محمد دراز، يقول فيه: "القرآن في دعوته إلى الإيمان والفضيلة، لا يسوق الدروس من التعاليم الدينية والأحداث الجارية وحدها، وإنما يستخدم في هذا الشأن الحقائق الكونية الدائمة، ويدعو عقولنا إلى تأمل قوانينها الثابتة، لا بغرض دراستها وفهمها في ذاتها فحسب، وإنما لأنها تذكر بالخالق الحكيم القدير".

ويقول: " دفع الحماس بعض المفسرين المحدثين إلى المبالغة في استخدام هذه الطريقة التوفيقية لصالح القرآن، بحيث أصبحت خطرًا على الإيمان ذاته؛ لأنها إما أن تقلل من الاعتماد على معنى النص، باستنطاقه ما لا تحتمله ألفاظه وجمله، وإما أن تُعوِّل أكثر مما يجب على آراء العلماء، وحتى على افتراضاتهم المتناقضة، أو التي يَصعُب التحقق من صحتها".

انظر: "مدخل إلى القرآن"، د. محمد دراز(175).

وانظر مقالة: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) بين دعاوى الإشكال والاقتباس والإعجاز العلمي!)، د. حسام الدين حامد، لتتبين منهج التعامل مع النصوص المتعلقة بالإعجاز العلمي.

ومن الكتب التي يمكن الولوج إلى الموضوع من خلالها:

1- "الإعجاز العلمي إلى أين؟"، د. مساعد الطيار.

2- "منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية"، د. سعود العريفي.

3- "التفسير العلمي التجريبي"، د. عادل الشدي.

4- "النظريات العلمية الحديثة"، د. حسن الأسمري.

وقد بينا بعض الضوابط في الأجوبة رقم: (127249)، (138144).

ثالثا:

اجتهد العلماء في بيان ضوابط قبول التفسير العلمي المعاصر، ومنها:

الأول:  أن يكون القول المفسر به صحيحًا في ذاته، وذلك:

1- بأن تدل اللغة العربية عليه.

2- بأن لا يخالف مقطوعًا به في الشريعة.

الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث.

الثالث: أن لا يبطل قول السلف.

الرابع: ألا يقصر معنى الآية على ما ظهر له من التفسير الحادث.

انظر: "الإعجاز العلمي إلى أين؟"، د. مساعد الطيار(131)، وما بعدها.

وانظر أيضا للفائدة: "منهج الاستدلال بالمكتشفات"، د. سعود العريفي (62 - 65).

والله أعلم.