عنوان الفتوى : مشاكل أسرية والحلول المقترحة
منذ أن كنت صغيرة كانت أمي تشتغل في معمل للخياطة، وكان أبي بائع رصيف، يبيع الملابس القديمة، فيمكن أن يبيع أو لا، وهذا كان يُحدِث مشاكل؛ لأن أمي لا يكون لديها مال إلا عند بداية الشهر، وعند نفاده تحدث مشاكل في المصاريف. اليوم صار عمري 19 عاما، وأمي لا زالت تشتغل. أما أبي فقد منع من البيع قبل أشهر من طرف المسؤولين، وذلك لأن بيعه غير قانوني، لكن أبي بعد هذه الواقعة ظل في البيت، ولم يبحث عن عمل، وأصبحت أمي تنفق وحدها علينا وعليه، ولسبب كثرة المصاريف بدأت تبحث عن عمل جديد، وأصبحت خادمة عند امرأة أنعم عليها الله بخير كثير. الآن أمي أصبحت ضعيفة جدا في جسدها، وهي في الخمسينيات من عمرها، تظل تعمل طيلة اليوم، وعندما تأتي إلى المنزل تتفقد الأغراض اللازمة، فتتسوقها، ناهيك عن أشغال البيت التي أحاول أن أساعدها فيها قدر الاستطاعة، لكنها تتعب كثيرا.
في بعض الأحيان إذا عادت من العمل مبكرا تأخذ قسطا من الراحة، لكن في كثير من الأحيان تنام متأخرة، ويجب عليها أن تستيقظ باكرا، وتخرج من المنزل بعد الفجر بقليل أي لا تنام إلا بعض الساعات، لكن أبي لا يرحمها، ويطالب بحقه منها كزوج رغم تعبها الكبير معه، وشقائها، فلا تعطيه حقه إلا عند الاستطاعة، وعندما لا تعطيه حقه لأنها تكون متعبة، ويجب أن تستعد ليوم جديد من التعب يزعجها ليلا بإغلاق باب غرفة النوم بقوة، أو باب المرحاض، ويزعجها بالكلام السيِّء، ويقذف عرضها بالسوء، ويقول إنها لا تعطيه حقه؛ لأنها ملت منه، ودائما يقول إن لديها علاقة غير شرعية، وتضحك مع زملائها في العمل من الذكور، ويقول إنها بدورها تقذف عرضه بالسوء، لكنني غير شاهدة على هذا إنني من أعز الأبناء عند أبي وأمي، ولطالما أبكي، وأرجو الله ألا يعذبهما، لكن أبي لأسباب تافهة، وأخطاء بسيطة مني يرجو لي العذاب في الدنيا والآخرة؛ رغم أني أقبل يديه ورجليه ورأسه، وهذا جعلني أتحفظ من الكلام معه خشية أن يدعو علي، فلا أتحدث إلا إذا طلب مني شيئا ما، والمشكلة أنني أرسلت له في الواتس فيديوهات عن أهمية الصلاة في المسجد؛ لأنه لا يفعل ذلك، وكذلك تنبيه لمن يقذف عرض زوجته بالسوء، فدعا عليَّ، وقال تحاسبينني، ولا ترين أمك التي تقذف عرضي، وعندما أردت أن أتحدث معه رفض ذلك، فنبهت أمي، لكنني الآن لا أعلم كيف أتصرف معه، وهو يرفض الحديث معي، فطلبت من أمي أن تشرح له موقفي، وأنا أنتظر الآن. واليوم أفكر كثيرا، وأقول يمكن أنني كسبت ذنبا، لكن أبي يقوم باشغال البيت.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك واهتمامك بأمر أبيك وأمك، ونسأل الله تعالى أن يصلح الحال، ويسود الوئام، ويفتح عليكم من أبواب رزقه؛ إنه سبحانه سميع مجيب.
ونوصيك بكثرة الدعاء، فلا يخيب من رجا الله تعالى، وطمع في رحمته، قال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.
والإنفاق واجب على أبيك لا على أمك، وهو من مقتضيات قوامته، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...... الآية{النساء:34}، فيجب عليه السعي في طلب الكسب بما يستطيع ليقوم بهذا الواجب، وراجعي الفتوى: 96234.
وإن من كريم خلق أمك كونها تبحث عن عمل حتى تستطيع أن تساعد في نفقة البيت، وليس ذلك بواجب عليها، وينبغي لأبيك أن يحفظ لها هذا المعروف، ويكافئها على هذا الجميل خيرا، ولو بالكلمة الطيبة، والدعاء لها، لا أن يقابل هذا الإحسان بالإساءة، بل وبالاتهام في العرض من غير بينة. وقد أحسنت بنصحك لأبيك، وفي المقابل ابذلي النصح لأمك فيما قد يقع منها من تقصير، ويجب عليها أن تؤدي إلى أبيك حقه، ولا تقصر في حقه بقدر ما تستطيع، وإن قصر هو في حقها، لئلا تتفاقم المشاكل، ويحدث ما لا تحمد عقباه، ولتسأل الله تعالى الحق الذي لها.
وقد نص أهل العلم على أنه يجب على المرأة إجابة زوجها إلى الفراش ما لم يشغلها ذلك عن فرضها، أو تتضرر منه، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 29461.
وفي الوقت ذاته ينبغي لأبيك مراعاة حالها ومشاعرها وسعيها وتعبها، وينبغي له مساعدتها في خدمة البيت، وفي هذا اقتداء بالمثل الأعلى لهذه الأمة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوضحنا ذلك في الفتوى: 27182.
وتحفظك من الكلام مع أبيك خشية دعائه عليك لا حرج فيه إن شاء الله، وليكن ذلك من غير قطيعة حتى لا تقعي في العقوق. والدعاء على الأولاد نهى عنه الشرع خشية أن يستجاب، ويكون الضرر، وراجعي الفتوى: 70831.
بقي أن ننبه إلى أنه لو أمكن أن يسلط على والدك بعض المقربين إليه من الأهل والأصدقاء لينصحوه فهو أمر حسن، وخاصة فيما يتعلق بالبحث عن عمل والقيام بالنفقة، فزوال هذا الإشكال قد يزول بسببه غيره من الإشكالات.
والله أعلم.