عنوان الفتوى : سن عيسى عليه السلام عندما بعث
هل بعث عيسى -عليه السلام- وعمره ثلاثون سنة؟ أم بعث في المهد؟ مع ذكر الدليل.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كثيرا من العلماء ينصون على أن عيسى عليه السلام لم يبعث نبيا في المهد، وإنما أوحي إليه كهلا وهو ابن ثلاثين سنة أو نحوها. وأن كلامه في المهد كان لتحقيق براءة أمه، وإرهاصا لنبوته.
قال ابن جرير: وإنما عنى جل ثناؤه بقوله: {ويكلم الناس في المهد وكهلا} [آل عمران: 46] ويكلم الناس طفلا في المهد، دلالة على براءة أمه مما قذفها به المفترون عليها، وحجة له على نبوته، وبالغا كبيرا بعد احتناكه بوحي الله الذي يوحيه إليه، وأمره ونهيه، وما تقول عليه من كتابه .اهـ.
وقال البغوي: {تكلم الناس} يعني: وتكلم الناس، {في المهد} صبيا، {وكهلا} نبيا قال ابن عباس: أرسله وهو ابن ثلاثين سنة، فمكث في رسالته ثلاثين شهرا، ثم رفعه الله إليه .اهـ.
وقال ابن عاشور: وخص تكليمه بحالين: حال كونه في المهد، وحال كونه كهلا، مع أنه يتكلم فيما بين ذلك؛ لأن لذينك الحالين مزيد اختصاص بتشريف الله إياه، فأما تكليمه الناس في المهد فلأنه خارق عادة إرهاصا لنبوءته. وأما تكليمهم كهلا فمراد به دعوته الناس إلى الشريعة.
فالتكليم مستعمل في صريحه وفي كنايته باعتبار القرينة المعينة للمعنيين وهي ما تعلق بالفعل من المجرورين. والكهل من دخل في عشرة الأربعين وهو الذي فارق عصر الشباب. وقد كان عيسى عليه السلام حيث بعث ابن نيف وثلاثين .اهـ. باختصار.
بينما ذهب آخرون إلى أنه بعث من حين ولد.
قال الماوردي: أما كلامه لهم في المهد إنما اختص بتعريفهم حال نبوته, {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكَاً أَيَنَمَا كُنتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً} [مريم: 30 - 31]. وكلامه لهم كهلاً دعاؤهم إلى ما أمر الله به من الصلاة والزكاة , وذلك حين صار ابن ثلاثين سنة وإن كان مبعوثاً حين ولد, فمكث فيهم ثلاثين سنة ثم رفعه الله , ولم يبعث الله نبياً حين ولد غيره، ولذلك خصه الله بالكلام في المهد صبياً .اهـ.
وقال العز بن عبدالسلام: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} تعرفهم بنبوتك، ولم يتكلم في المهد من الأنبياء غيره، وبعث إليهم لما ولد وكان كلامه معجزة له، وكلمهم كهلاً بالدعاء إلى الله تعالى، وإلى الصلاة، والزكاة، وذلك لما صار ابن ثلاثين سنة ثم رفع .اهـ.
وعلى كل حال: فإن مثل هذه القضايا لا يترتب على العلم بها كبير فائدة، فلا ينبغي الاشتغال بها لا سيما للعامة غير المتخصصين، والسؤال عن مثل هذه القضايا مع ترك ما يحتاجه المرء من العلم الشرعي المتعين أو المستحب مذموم غير محمود، فننصحك بالسؤال عما ينفعك من العلم الشرعي الذي تحتاجه، والكف عن مثل هذه الأسئلة -والتي تكثر منها للأسف-، وراجع الفتوى: 286822 .
والله أعلم.