عنوان الفتوى : دعاء فاطمة على الصديق غير ثابت
هل ماتت السيدة فاطمة وهي تدعو على سيدنا أبى بكر الصديق؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ففاطمة رضي الله عنها أجل من أن تموت وهي تدعو على خير هذه الأمة بعد نبيها، ولا نعلم لهذا الدعاء أصلاً، ولقد كانت رضي الله عنها قد سألت أبا بكر رضي الله عنه ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرها بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنا لا نورث، ما تركناه فهو صدقة، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت. متفق عليه. ولقد تكلم الحافظ ابن حجر في فتح الباري على هذا الحديث بكلامٍ رصين، لعل من المناسب أن ننقل بعضه، لما له من ارتباط وثيق بموضوع السؤال، قال رحمه الله: قوله فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته، في رواية معمر فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت، ووقع عند عمر بن شبة من وجه آخر عن معمر: فلم تكلمه في ذلك المال، وكذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر لا أكلمكما أي في هذا الميراث، وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله: غضبت تدل على أنها امتنعت من الكلام جملة، وهذا صريح الهجر، وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود من طريق أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله، قال: لا بل أهله، قالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين، قالت: فأنت وما سمعته، فلا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران ولا يدل على الرضا بذلك، ثم مع ذلك ففيه لفظة منكرة، وهي قول أبي بكر: بل أهله، فإنه معارض للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث، نعم روى البيهقي من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد فاطمة فقال: لها علي هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت أتحب أن آذن له، قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت، وهو وإن كان مرسلاً فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر، وقد قال بعض الأئمة: إنما كانت هجرتها انقباضاً عن لقائه والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المحرم، لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله لا نورث، ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به، لذلك فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال وأخلق بالأمر أن يكون كذلك، لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام. انتهى. وراجع لزاماً الفتوى رقم: 25073، والفتوى رقم: 2996. والله أعلم.