عنوان الفتوى : مسألة وقوع النسيان من الأنبياء والصحابة
هل الأنبياء والصحابة ينسَوْن؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأنبياء -عليهم السلام- معصومون من نسيان أي شيء أمرهم الله تعالى بتبليغه حتى يبلغوه على أتم وجه، وقد تكفل الله -عز وجل- بحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه؛ قال الله تعالى مخاطبًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ {الأعلى:7،6}؛ قال أهل التفسير: مما نسخ ورفع العمل به، ويجوز عليهم النسيان في الأمور العادية، وقد ينسى بعضهم شيئا مما قد بلغه للناس؛ لأنهم بشر، وتجري عليهم الأعراض البشرية التي تجري على غيرهم من الناس، كما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون. متفق عليه.
وإذا وقع لأحدهم شيء من هذا النوع من النسيان فإنه لم يكن نسيانًا بالكلية، بل لا بد يذكر ما ينساه.
ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين: أنه -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا؛ آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا.
وفي الصحيحين أيضًا: أنه -صلى الله عليه وسلم- انصرف من اثنتين -ركعتين- فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم.. الحديث.
وكما ذكرنا فإنهم معصومون من نسيان أيّ شيء مما أوحى الله تعالى إليهم حتى يبلغوه؛ قال النووي في شرح مسلم: فيه دليل على جواز النسيان عليه -صلى الله عليه وسلم- فيما قد بلغه إلى الأمة. وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 129728، 189353.
ولذلك فإن النسيان الذي قد يعتري الأنبياء لا يمكن أن يكون فيما لم يبلغوه للناس؛ فهم معصومون من هذا النوع من النسيان.
وإذا جاز النسيان على الأنبياء -بالضوابط التي ذكرنا- مع ما منَّ الله عليهم به من العصمة، فمن باب أولى أن يوجد النسيان عند أفراد الصحابة؛ فهم -رضوان الله عليهم- مع علمهم وفضلهم وعدالتهم ينسون، وربما يخطئون، ولكن الأغلب عندهم هو الضبط والإتقان والتقوى. وانظر الفتوى: 132366.
والله أعلم.