عنوان الفتوى : حكم ضرب السارق وأخذ تعويض مالي منه مقابل السرقة
منذ أسبوع سرق هاتفي، وبعض المال، من الشقة التي أعيش فيها وحدي؛ فوالدي ووالدتي متوفيان. السرقة تمت يوم الجمعة ليلا، وكان لدي شعور بأن الذي فعل ذلك ابن الجيران؛ لأن شقتهم ملاصقة لشقتنا، ومن السهل أن يقفز من عندهم لشقتي، خاصة أني أزلت الشباك لإجراء أعمال الصيانة. أخي الكبير معي في نفس البيت، قلت له، فقال لي: لا يصح أن نتهم جيراننا بالسرقة، وليس لدينا دليل. اطلب من الله العوض، وادعوه رد ضالتك. صليت ودعوت، ونمت ودماغي سينفجر من التفكير؛ استيقظت في اليوم التالي؛ فوجدت ابن جارنا في الشقة، وعند ما رآني، أدار وجهه، وبدأ يرتعش. هو يشرب شيئا اسمه: أستروكس. أول شيء دار في خلدي، أني أحلم، كنت مذهولا، ولا أعرف كيف أتصرف؟ بعد ذلك جاء في دماغي أن أهجم عليه وأضربه، لكني خفت من حرمة ذلك، وخفت من أن أؤذيه؛ لأني عندما أغضب لا أستطيع أن أتحكم في نفسي. فاستغفرت، واستعذت بالله من الشيطان، وهدأت. وجدتني أقول له: لماذا تفعل هذا؟ لم أؤذكم طيلة حياتي في شيء. لماذا تفعل هذا؟ هل أنت محتاج للفلوس؟ قال لي: كانت علي 900 جنيه لشخص، وأعطيته الهاتف، وسآتيك به، والله. لكيلا أطيل على حضرتك: تصرفت بطيب نية، ومراعاة للجيران، وخصوصا أن هذا الولد في الجيش، وقد أثار شفقتي، فتركته يذهب ليأتي بالهاتف، لكنه لم يأت به. نزلت الشارع، وجدت جارتنا قد توفيت -رحمها الله- تضايقت جدا. لم أخبر أخي ولا أحد، إلى أن صلينا عليها، ودفناها؛ لأني لو كنت قلت، كانت ستحصل بلبلة، ويمكن ألا أحضر دفنها. بعد أن رجعنا قلت لأخي؛ فلامني وعنفني، وقالي: لماذا لم تكسر عظامه؟! ولماذا تركته؟ ذهبنا إلى شقتهم، وجدنا أخاه قال لنا: كنت سآتيكم، وقال لنا إن أخاه مريض نفسيا، ولا يعرف ماذا يفعل؟ وكان هاربا من الجيش، وأنه ذهب وسلمه، وعرفنا أن هذه ليست أول مرة يقفز إلى شقتي، وأنه سرقهم أيضا قبل هذا، بسب المشروب الذي يتناوله. قلنا له: أين أبوك؟ قال لنا: مسافر. أخذنا منه رقمه، وكلمناه. قال لنا: لقد طردته أمس. سجلنا محضرا، وأتوا وأخدوا أخاه، وقالوا لنا اتهموا أخاه؛ لأنكم لو لم تتهموه سيذهب. فلم نقبل أن نتهمه؛ لأن ذلك حرام، لن نشهد شهادة الزور. ولم نقبل أن نكتب في المحضر إلا الهاتف والفلوس، وكانت هناك ساعة لم أجدها، لم أكن متأكدا أنه هو الذي سرقها. الهاتف اعترف لي به، وقال لي سآتيك به. ذهبنا، وجدنا محاميا يتصل، ويقول لنا: سنأتيكم بما تريدونه، لكن اتركوا أحمد أي أخو السارق. فقلنا لهم: نحن لم نتهمه، وسيذهب. مضى على هذا الكلام 5 أيام، جاءت أمه أمس لأخي في البيت، وتريد أن تراضينا، وكلمتني هي ووالد السارق، وتقول لي: نحن غير مصدقين، وسنفعل ما يرضيك، وسنأتيك بهاتف، لكن تتنازل عن المحضر. لكني لا أرى أن الموضوع هاتف؛ لأني تأذيت نفسياً وصدمت في الناس، وهذا جعلني عنيفا، ولا أتعامل بالطيبة فما رأي حضراتكم: هل أنا مخطئ فعلاً لما تركته ولم أضربه، وأن ذلك كان تصرفا مغفلا، أو هذه طيبة زائدة؟ تربيتنا التي تربيت عليها أن الجار يخاف على جاره، ولا يؤذيه، حقيقية صدمت في الناس، وتفكيري أصبح مشوشا: هل أعامل الناس بالمثل وأؤذي الناس مثلما يؤذوني، أو أسامح وأرحم وأحتسب عند الله. السارق تقطع يده، نحن في مصر لا نطبق الحدود. لو جلسنا جلسة عرفية للصلح، وطلبت مبلغا كبيرا من المال، أسترد حقي، وأخرج الباقي لله، ويعتبرونه فدية ليد ابنهم. هل أكون بهذا مخطئا؟ هو لا بد أن يكون عبرة لغيره. ماذا أفعل؟ رأي حضراتكم يهمني جداً، أرضاكم الله، ورضي عنكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله تحريك الصواب، والحرص على مراعاة حق الجار.
وأما تصرفك مع هذا السارق، فليس فيه ما تلام عليه، وليس فيه ضعف ولا مهانة، فلا تندم على شيء فعلته مروءةً أو حسبةً. ولتعلم أن عفوك لا يزيدك إلا عزا، وأن حسن الخلق من الصبر والحلم، وترك العجلة ونحو ذلك، يقربك من الله، ولا ينقص مكانك عند الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زاد الله عبدا بعفو، إلا عزا. رواه مسلم. وراجع للفائدة الفتويين: 114568، 133210.
ثم إن ضرب السارق وكسر عظامه، ونحو ذلك من أنواع العقوبات في مثل الحال المذكورة في السؤال، لا يصح القيام بها؛ فإن معاقبة السارق منوطة بولي الأمر، فإن لم يشأ المسروق منه أن يعفو عن السارق، فليرفع أمره للسلطات المختصة، وانظر الفتويين: 150887، 80014.
وأما مسألة أخذ مبلغ أو تعويض مالي من خلال جلسة عرفية، فإن كان المبلغ مساويا لقيمة المسروق، فلا إشكال في ذلك. وأما ما زاد عليه، فليس من حق السائل أخذه، ولا يصح أن يجعل ذلك في مقابل الضرر المعنوي أو النفسي، فإنه ما من أحد يسرَق إلا ويتأذى بذلك نفسيا أو معنويا، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 8780.
والله أعلم.