عنوان الفتوى : دفع مبلغ مقطوع مقابل تخفيض أسعار المكالمات
شركة اتصالات تخصم من رصيد العميل ريالين أسبوعيًّا مقابل تخفيض أسعار المكالمات، فما الحكم؟ وهل فيها خلاف؟ وما حجة كل إن وجدت؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع لأحد من أهل العلم على كلام في خصوص الصورة المسؤول عنها، ولكنها لا تخرج من حيث المعنى والمضمون عن حكم التعامل ببطاقات التخفيض الخاصة؛ لأن البيع والإجارة يشتركان في الأحكام؛ فإن الإجارة بيع للمنفعة، فهي أخت البيع، وشبيهته.
وفي حال السؤال المذكور؛ فإن شركة الاتصالات تبيع منفعة، وتخفض أسعارها لمن يدفع مبلغًا مقطوعًا أسبوعيًّا، والمشترك في هذه الخدمة لا يدري هل سيستعمل الخدمة أم لا؟ وإذا استعملها فلا يدري قدر استعماله، ومن ثم، فحاله يدور بين الغنم والغرم، كما هو حال الاشتراك في بطاقات التخفيض، وأكثر أهل العلم المعاصرين على حرمته إذا كانت البطاقة مدفوعة الثمن؛ لما في ذلك من الغرر والمخاطرة بين الغنم والغرم، وانظر الفتوى رقم: 106701.
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في موضوع بطاقات التخفيض: عدم جواز إصدار بطاقات التخفيض المذكورة، أو شرائها إذا كانت مقابل ثمن مقطوع، أو اشتراك سنوي؛ لما فيها من الغرر، فإن مشتري البطاقة يدفع مالًا، ولا يعرف ما سيحصل عليه مقابل ذلك، فالغرم فيها متحقق يقابله غنم محتمل، وقد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه. اهـ. وراجع نص القرار في الفتوى رقم: 79402.
وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في عدة فتاوى، منها: فتاواها في بطاقة المعلم التي يؤخذ عليها رسوم معينة؛ من أجل حصوله على تخفيضات من بعض الفنادق، والمستشفيات، والمراكز، والمحال التجارية، ونصها: بطاقة المعلم على هذا النظام المذكور، وهو: أخذ الرسوم عليها، غير جائزة شرعًا؛ لما فيها من الغرر، وأكل المال بالباطل، وبناء على ذلك؛ فلا يجوز إصدارها، ولا التعامل بها. اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): بعض المكتبات التجارية يوجد فيها إعلان يشتمل على أن من يدفع في الشهر مبلغًا معينًا من النقود فإنه يحصل على أمرين: الأمر الأول: يزود بالكتب الجديدة في مواد التخصص، كالفقه، ونحوه. والأمر الثاني: يعطى بطاقة تخفيض (10%) إذا أتى يشتري، فما حكم ذلك؟
فأجاب: هذا نوع من الميسر الذي قال الله تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]، والميسر: كل معاملة مبناها على المغالبة؛ إما غانم، وإما غارم، هذه القاعدة الشرعية في الميسر، فهذا الرجل الذي يدفع كل شهر خمسمائة ريال -مثلًا- قد يشتري كتبًا، تكون نسبة التنزيل فيها أكثر من ألف ريال، وقد لا يشتري شيئًا، فإذا فرضنا أنه يشتري كتبًا نسبة التخفيض فيها أكثر من خمسمائة ريال، صار غانمًا وصاحب الدكان غارمًا؛ لأنه يخسر، وإن لم يشتر صار صاحب الدكان غانمًا وهذا غارمًا؛ لأنه دفع خمسمائة ريال، ولم يأخذ مقابلًا لها، فهذه المعاملة من الميسر، ولا تحل. اهـ.
وقال الدكتور خالد المصلح في كتابه: (الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي): هذا النوع من البطاقات التخفيضية له طرفان: الطرف الأول: جهة التخفيض، وهي الجهة القائمة على برنامج التخفيض والمانحة له ... الطرف الثاني: المستهلك، وهو حامل البطاقة التخفيضية المستفيد منها في حسم أسعار السلع والخدمات لدى جهة التخفيض المصدرة للبطاقة ... وأقرب ما تخرّج عليه العلاقة بين هذين الطرفين أنها عقد إجارة؛ المؤجر فيه جهة التخفيض، والمستأجر هو المستهلك، والمنفعة المعقود عليها هي التخفيض من الأسعار بنسبة متفق عليها. ويترتب على هذا التخريج تحريم هذا النوع من البطاقات التخفيضية الخاصة؛ لأنه عقد إجارة فاسد؛ حيث إن المنفعة المعقود عليها، وهي التخفيض من الأسعار لا يعلم قدرها؛ لأن ذلك معلق بشراء المستهلك، وشراؤه مجهول من حيث الوقوع، فقد يشتري، وقد لا يشتري، وهو مجهول أيضًا من حيث القدر فيما لو اشترى. اهـ.
وقال الدكتور خالد المشيقح: بطاقات التخفيض تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: بطاقة تخفيض عامة، وهي التي تقوم بإصدارها شركات الدعاية والإعلان، أو الشركات السياحية، ويستفيد منها العملاء عند جهات تجارية عديدة، فهذه محرمة، ولا تجوز، وقد أفتى بتحريمها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء؛ إذ إن المنفعة التي تأخذ جهة الإصدار عليها مقابل ليست مقدورة عليها، وإنما هي عند جهة أخرى، وأيضًا قالوا بأن هذه المنفعة فيها غرر قد يتحصل عليها، وقد لا يتحصل. القسم الثاني: بطاقات التخفيض الخاصة، وهي مثل ما ذكره السائل هنا، فبعض العلماء ألحقها ببطاقات التخفيض العامة، وحكم عليها بالتحريم، وقال: لأن المنفعة فيها غرر، قد يشتري، وقد لا يشتري، وبعض العلماء أجازها. وبعضهم قيد الجواز بشرطين: الشرط الأول: أن تكون نسبة التخفيض معلومة. الشرط الثاني: أن تكون المشتريات محدودة السلع ... فلعل إذا توفر هذان الشرطان أن تكون ـ إن شاء الله ـ صحيحة. اهـ.
وممن رجح الجواز الشيخ الدبيان في كتابه: (المعاملات المالية أصالة ومعاصرة).
وهذا مبناه على نفي الغرر الفاحش المسبب للضرر في هذه المعاملة؛ ولهذا يمكن القول بأن الترجيح يكون في كل صورة بحسب نوع الغرر فيها، وبحسب احتمالية انتفاع طرفي العقد؛ ولذلك قال الدكتور سامي السويلم الباحث في الاقتصاد الإسلامي: ليس كل ما تردد بين الغنم والغرم، أو بين الانتفاع وبين الخسارة، يدخل في باب الغرر الممنوع، ففي بيع العربون يتردد المشتري بين أن يملك السلعة وينتفع بها، وبين أن يغرم إذا لم يشترها ويخسر العربون، وهو مع ذلك جائز عند الإمام أحمد وجمع من السلف؛ وذلك أن الهدف من العربون ليس المقامرة، وإنما الانتفاع بالسلعة، والتردد بين إمضاء الشراء وعدمه راجع للمشتري، وليس معتمدًا على الحظ، أو ما لا يتحقق غالبًا. وحقيقة الغرر المحرم أنه معاوضة احتمالية، نتيجتها انتفاع أحد الطرفين على حساب الآخر، فإن كانت المعاملة تحتمل انتفاع كلا الطرفين، وتحتمل مع ذلك انتفاع أحدهما وخسارة الآخر، أي أن المعاملة تحتمل الغرر وتحتمل عدمه، فينظر في احتمال كل واحد من الأمرين: فإن كان الغالب هو انتفاع الطرفين، وهذا هو مقصود المعاملة، فهي جائزة، ويغتفر ما فيها من الغرر، وهذا هو ضابط الغرر اليسير الذي نص عليه الفقهاء. أما إن كان احتمال انتفاع أحدهما وخسارة الآخر هو الغالب، وهو مقصود الطرفين، فهذا من الغرر الفاحش الذي لا يغتفر. وشراء بطاقة التخفيض معاملة تحتمل انتفاع الطرفين: المصدر، والمشترك. وتحتمل مع ذلك انتفاع المصدر وخسارة المشترك. فإن كان المشترك يحتاج غالبًا للسلع محل التخفيض، وينتفع بحصول التخفيض على أسعارها، فالغالب في هذه الحالة هو انتفاع الطرفين، فيغتفر ما فيها من الغرر؛ لأنه من اليسير المعفو عنه، فشراء البطاقة في هذه الحالة لا حرج فيه -إن شاء الله-. اهـ.
والله أعلم.