أحلام موؤودة - مدحت القصراوي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
مصر :ليس سذاجة ولا جهلا بحقائق الأوضاع وعقائد الجيوش وطبيعة نشأتها، ولكن تذكرة (ولعلهم يتقون).
كانت أشرف حالة مرجوة للمؤسسات، وآمن حالة للبلاد، وأكثرها استقرارا للمجتمع وأملا في القضاء على الفساد، وأفقا للتغيير وإمكانية للتنمية..
هي إنجاح معطيات يناير وحماية الاختيار المدني، وترك المجتمع يسير في اتجاه اختياره وأغلبيته وعودته لتاريخه وأصوله ورغبته الجارفة في التقدم والانعتاق من التبعية..
كان ما يحدث هو حراك طبقات تأخذ أدوارها الحقيقية وأحجامها الطبيعية، ويعطي فرصة تاريخية للتصحيح.
كان هذا يحتاج الى حماية، وكبح جماح، وتبصير، وصبر..
بكل ما تحمل هذه الكلمات من معاني واتجاهات.
وكان يحتاج الى إخلاص دافق وتجرد حقيقي وانحياز للداخل ليحوز شرف التاريخ وذكر السماء.
أما إفشال التجربة ومحاصرتها، إرباكها ومطاردتها، تعجيزها وشل حركتها، إيقاف العجلة وحشد الأجهزة للإفشال، ثم التشويه والشيطنة..
الانحياز لبضعة ملايين في اسرائيل، وبضعة مجموعات علمانيين وإباحيين، وبضعة أفراد من رجال الأعمال الفاسدين..
ثم إرباك مجتمع بأكمله، وقلبه رأسا على عقب، وتحريضه ضد نفسه وضد بعضه، وتغييب عقله وتزييف وعيه، ثم إهدار جهده..
إنها المغامرة الخطيرة التي تعيشها بلادنا منذئذ..
واليوم لا جديد سوى أن الجميع يغامر ويؤامر؛ نزق وطيش، وأحلام وتنافس، أحلام موؤودة وفوضى بلا ضابط..
آلام تولد في كل لحظة تعصر قلوبا إثر قلوب، هذا يسبق بالألم فيشمت ذاك فيه ثم يلحقه..! والحاصدون آمنون متلاعبون بالجميع.
لماذا الإصرار على ترك الطريق الواضح والمريح، لماذا السير عكس التاريخ والقلوب والهوية، لماذا محاولة كشط مجتمعا من الوجود وتاريخا من الكون ودينا من القلوب وهوية من مجتمع؟
كانت الأمور تسير في اتجاه يستطيع أن يصحح نفسه بنفسه ويعالج ألمه بدوائه المناسب؛ فكان الاعتساف، ولم يزل.
لمذا تنتفخ أحجام وتضغط أحجام أخرى عكس الفيزياء وطبائع الأشياء..؟
حالة تتبّع للدين في الوجود والقلوب، وهيستريا دون ضابط، يستفيد منها أعدى الناس لبلادنا..
لا أدري هل يعقل أحد الموعظة والتذكير أم ثمة حزمة من كبر وحقد وشعور بالقوة..؟
لمذا يصبح الحلم بوطن متصالح مع دينه وهويته، خارج من تبعية الغرب وربيبته، يحتضن أبناءه ويضمهم ويحسن فيهم الظن ويحترمهم ويرفع رؤوسهم، ويعدل بين أهله، ويأخذ حجمه بين الأمم..
لماذا يحارب هذا الأمل ويصبح كل يوم أصعب بلا داع وتوضع أمامه المتاريس بلا مصلحة؟
لماذا بناء السجنون اعتيادي، والقتل كل يوم مستساغ، والآلاف في السجون بلا مبرر، والانتقام لغة معتادة، أهذا وطن يحلم به أهله؟
ولماذا لا يتصور البعض أن يعيش مرتاحا إلا بألم آخرين ! ولماذا يتصورون الموت وصوت نعيق الغربان أمرا طبيعيا لقطاعات من الخلق لتعيش قطاعات أخرى؟
كثيرا ما يثقل على الذهن سؤال..
كيف يكون هناك موت جماعي للضمير، وكيف تتواطأ ضمائر على الانتحار الأخلاقي والقيمي؟
بعد يناير بدأ المغتربون يعودون، واشتعلت أشواق في قلوب تشعر بالحنين والانتماء، وتود لو تزرع مع الزارعين وتنسج معهم حلما واحدا..
ثم انفض الجميع واستؤنفت رحلات من الاغتراب والغربة، والهجير والهجرة، وجولات من أحقاد، بل هناك من يعتصر الأحقاد من ضروع..!
ستتعجب الأجيال كثيرا..
كيف عاش الناس في كذبة كبيرة وكراهية موهومة وصراعات مصطنعة، وكيف نجحت عبقرية شيطانية أن تركب من عناصر طبيعية أوضاعا غير طبيعية تعطي اشتعالا مقيتا، وثمرة بشعة.
إن عبقرية من يملك القوة أن يرتب الأوضاع التي تخرج الخير من القلوب إخراجا طبيعيا ليصب في مسارات الحياة، لتنمو كل بذرة قابلة للنمو ومتعطشة للحياة؛ فهل من يستفيق؟