محمد سليم العوا ظاهرة وليس شخصاً - محمد جلال القصاص
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
بسم الله الرحمن الرحيملا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الدكتور محمد سليم العوا من مواليد 1942م، ومن الحاصلين على شهادة الدكتوراه في (الفلسفة في القانون المقارن) من جامعة لندن عام 1972م.
يتواجد الدكتور العوا على (الحدود الدينية) الداخلية والخارجية، بين الفِرَق والمذاهب الإسلامية وبين الإسلام وغيره من (الأديان) السماوية وخاصة النصرانية، يتبين هذا من المناصب التي يشغلها الدكتور العوا، ومنها ـ حسب موقعه الرسمي ـ (رئيس جمعية مصر للثقافة والحوار)، (عضو الفريق العربي للحوار المسيحي)، (المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية)، عضو لجنة استشارية لإحدى المجلات التي تتكلم عن الدين والقانون من الولايات المتحدة الأمريكية وهي مجلة (Law & Religion) التي تصدرها كلية الحقوق بجامعة Hamline في ولاية Minnesota الأمريكية.
الدكتور العوا خرج على الساحة الفكرية الإسلامية بين عشية وضحاها، كان محامياً يعمل في مجال المحاماة، ثم انتشر فجأة في وسائل الإعلام كمفكر ومنظر لعددٍ من القضايا الفكرية المثيرة للجدل، ولم يُعرف عن الدكتور العوا قبل ذلك مجالسته للعلماء ولا لطلاب العلم ، لم يكن له تواجد في الساحة الدعوية لا بقليل ولا بكثير، ثم خرج علينا يتكلم بكلامٍ قاله معاصرون له، خرج علينا يزعم أنه بعد بحث استمر أربعة وعشرين عاماً توصل لعدد من الأفكار تحوم حول السنة النبوية وتحاول تفريغها من حجيتها بزعم أن بعضها تشريعي وبعضها غير تشريعي.
وذات الأفكار التي تكلم بها العوا..
ذات الأفكار بأم عينها...
تكلم بها من قبله شيخ الأزهر محمود شلتوت في كتابه (الإسلام شريعة وعقيدة)، وحين واجهه أحدهم في حوارٍ بهذا الكلام، قال إنه من باب المصادفة!!...
وهذا عجيب...
من باب المصادفة أن يتطابق بحثان الأول منهما مشهور جداً؟!!
من باب المصادفة أن يبحث (مفكر) ربع قرن من الزمان ولا يعثر على ما قاله مؤسس التيار الذي يسير هو فيه؟!!
الشيخ محمود شلتوت كان يحمل أعلى الألقاب في زمانه (الإمام الأكبر) ويترأس المؤسسة الدينية الأعلى صوتاً في العالم الإسلامي يومها (الأزهر)، وكانت شخصيته مثيرة للجدل والتساؤلات بما طرح من أطروحات فكرية تتعلق بتقسيم السنة النبوية إلى تشريعية وغير تشريعية، عجيب أن يكون هذا حال الشيخ شلتوت، ثم ينقل عنه العوا ويقول أنه تطابق معه من باب المصادفة.
حقيقة أنا لا أصدق الدكتور العوا في دعواه لأسبابٍ ثلاث:
الأول: شهرة من تكلم بكلامه قبله، وهو الشيخ محمود شلتوت.
الثاني: لأن العوا لم تظهر عليه أعراض التفكير والتجديد إلا في سن الشيخوخة، ومن أمحل المحال عند العارفين أن ينشغل المرء بقضيةٍ ما ثم لا تظهر أعراضها عليه.
فإن اللسان ينطق بما يحتويه الجنان، شاء المرء أم أبى، ويؤكد ما أذهب إليه السببُ الثالث وهو:
الثالث: أن الدكتور العوا ليس له نتاج فكري مضطرد، وحال المفكرين أنهم يفكرون..
وينتجون..
يطرحون..
ويتفاعلون مع من يقف على أطروحاتهم مؤيداً أو معارضاً، وهذا ما لا نجده في شخص العوا، وإنما مؤتمرات ومحاضرات وفضائيات يسوق فيها بعض المفاهيم المشبوهة، نعم...
المفاهيم المشبوهة.
في إحدى الفضائيات المصرية، وفي برنامج القاهرة اليوم، وفي مطلع شهر نوفمبر من عام 2007 تحديداً في الحلقة التي خصصت لمناقشة أمر الكذاب اللئيم زكريا بطرس كان سليم العوا هو ضيف البرنامج وقال نصاً: "الإسلام والنصرانية يسيران في خطين متوازيين"، وشرح ذلك بأنهما لا يتضادان، وربي يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة المائدة: 72]، وربي يقول: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [سورة المائدة: 73]، ومن أصدق من الله قيلاًُ؟، ومن أصدق من الله حديثاً؟
كذب العوا وخان أمته ومن يثق برأيه.
والشيعة يسبون أمهات المؤمنين وصحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ويقفون في صف أعداء الدين ضد الموحدين، والعوا بيننا وبينهم، يحاول أن يعطي للناس صورة جيدة عن الشيعة ، ويدفع عنهم من يتطاول عليهم.
في هذا سعية...
ردم الفجوات بين الكفر والإيمان، ردم الفجوات بين أهل الهدى وأهل الضلال، ليصير الكل سواء، ليكون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، ويكون المتقين كالفجار، وهيهات هيهات.
الحقيقة أن العوا ظاهرة تتكرر كثيراً في الساحة الفكرية الإسلامية يُدفع بعدد من الأشخاص ممن يحملون ألقاباً علمية ويزاد لهم بعض الألقاب المهنية (أمين عام..
رئيس..
مستشار..
الخ)، مما يكبر صورتهم في عين العوام، ثم يتكلمون للناس، يتكلمون بكلام يبدوا جميلاً في ظاهرة، مثل (التقريب)، و(السلام)، و(الحوار)..
الخ، وهم في حقيقة الأمر عقبة على طريق السائرين إلى ربهم، وهذه بعض الأمثلة السريعة غير العوا:
- أبكار السقاف (1913م ـ 1989م) في عام 1945 صدرت موسوعة ضخمة بعنوان (نحو آفاق أوسع) تحمل اسمها، و(أبكار السقاف) من المعاصرين ومن المعمرين (١٩١٣ م ١٩٨٩ م) ولا يعرف عنها التاريخ سوى أنها إحدى الحسناوات ربيبة القصور وزوجة الأمراء والأثرياء، كان عمرها حين صدرت هذه الموسوعة التي تحمل اسمها اثنين وثلاثين عامًا والكتاب موسوعة ضخمة في أربع مجلدات ويشبه التحقيق الكبير الذي لم تُسبق إليه!!، وكان حينها وقبلها مشغولة..
تخطب ويفسخ خطبتها..
تتزوج ويموت زوجها..
ولم تكتب بعده شيئاً يُذكر، مع أنها عمَّرت، وكانت متفرغة، لا زوج ولا أولاد، وكانت مصاحبة لأهل (العلم) في زمانها، ولو حلف غيري على أنه كتب لها فلا أشك أنه يحنث في يمينه.
- ومحمد شحرور الذي أباح الزنا إن تراضى الزانيان، وجعل حجاب المرأة هو لباس البحر المكون من قطعتين، بدعوى أن هذا منصوص عليه في القرآن الكريم، خرج شحرور هذا بموسوعته الفقهية بعد أن اشتعلت رأسه شيباً، وألقاها بين الناس دون أن يرعاها، كبنت الحرام التي لا يعرف لها نسب ولا يرفعها حسب، لم يدافع عنها ضد من اعترض عليها، وقد اعترض عليها كثيرون وأكدوا عدم صحة نسبها للدين الإسلامي وأنه عوراء عرجاء سوداء صلعاء منبتة لا يعرف لها أب ولا أم بيننا، وما دافع الرجل بشيء، اكتفى بالاستمرار في طرح أفكاره المستفزة.
- ومن قبل هؤلاء قاسم أمين خرج يتكلم في الفقه وهو صفر اليدين من الفقه، ثم بان للناس بعد ذلك أنه كُتبَ له.
- ومثل هذا خليل عبد الكريم، الذي تكلم بأن هناك فترة تكوين للصادق الأمين على يد السيدة خديجة رضي الله عنها، قال قولاً عظيما، نَسَبَ النبوة للبشر، ففضحه رب البشر الذي أرسل محمداً للناس رسولاً، بانَ بعد ذلك أنه قطع غلاف كتابٍ لقس نصراني لبناني ماروني يدعى جوزيف قذى (أبو موسى الحريري)، وأبدله بغلافٍ آخر مع تعديل بسيط في النص، أثار البلبلة في الساحة، يقول باحث، ويقول مفكر، وفضحه ربك، فقد بان أنه كُتب له.
والعجيب أن النصارى يسوقون أفكار هذا الشقي الخاطئ على أنها من بنات أفكاره هو، وعلى أنه مسلم يتكلم عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
كتبوا هم بأيديهم ودفعوا بما كتبوه للساحة الفكرية على يد أحد (المسلمين) هذا هو المقصود.
- ومثله سيد القمني ـ ولا زال حياً ـ يحاضر في الكنيسة يوم الجمعة وقت الصلاة، يشرح لهم الإسلام (الحقيقي) يقول لهم أنتم أهدى من الذين آمنوا سبيلا، وهو (مسلم) وهو (مفكر) وهم الذين يشيعون كلامه بيننا، وهم الذين ينصبون له المنابر ليتكلم من عليها.
والأمثلة كثيرة، ولكني فقط أردت أن أبين أننا لا زلنا حيث يريد الآخر، لا زالت الساحة الفكرية الإسلامية يلعب بها (الآخر) بأمثال العوا وشحرور والسقاف وخليل عبد الكريم وسيد القمني، وهذه النماذج الشاذة فكراً وتفكيراً وسلوكاً بين المؤمنين.
ولابد أن نصحو ونعلم الناصح للأمة من الغاش لها.