عنوان الفتوى : ما صحة حديث تعذيب الشمس والقمر؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

ما صحة هذا الحديث الآتي ذكره، فلقد بحثت عنه، وظهر لي في موقع الدرر السنية "ينظر في صحته" ، فما معنى هذا؟ وإذا كان ينظر فإلى متى ينظر فيه حتى يحكم بصحته؟ حَدَّثَنِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " بَيْنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ : يَا ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ الْعَجَبَ مِنْ كَعْبٍ الْحَبْرِ، يَذْكُرُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ، قَالَ عِكْرِمَةُ : فَطَارَتْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شِقَّةٌ وَوَقَعَتْ أُخْرَى غَضَبًا، ثُمَّ قَالَ كَذَبَ كَعْبٌ، كَذَبَ كَعْبٌ، كَذَبَ كَعْبٌ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بَلْ هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الإِسْلامِ، اللَّهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتعَالَى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) سورة إبراهيم آية 33 ، إِنَّمَا يَعْنِي : دءوبِهِمَا فِي الطَّاعَةِ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ عَبْدَيْنِ يُثْنِي عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتِهِ؟ قَاتَلَ اللَّهُ هَذَا الْحَبْرَ وَقَبَّحَ حَبْرِيَّتَهُ، مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ، وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمُطِيعَيْنِ لِلَّهِ ... "، وللحديث بقية طويلة جدا جدا؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.

أولا:

ربما ورد في كلام بعض أهل العلم، تعليقا على قول ذكره أو نقله عن غيره: " ينظر في صحته". ومقصوده، في الغالب، بهذه العبارة : أن على القارئ لهذا الحديث ألا يأخذ به حتى ينظر في صحته، إما لأن المؤلف في شك من ثبوته، ولم يجزم بشيء، أو لأنه لم يتيسر له النظر في إسناده والحكم عليه، فهو يحيل بذلك على القارئ، وهو في جميع الأحوال حكم من العالم بأنه لا يجزم بصحة هذا الخبر.

وأما "موقع الدرر السنية" ، وفق الله القائمين عليه لكل خير: فطريقتهم أن يذكروا الأثر المروي من الكتاب المعتمد عليه في النقل، ثم يعقبون بكلام المصنف في الكتاب المنقول عنه، إن كان له كلام على الأثر المروي، أو الحديث المنقول، بتصحيح أو تضعيف. وقد شرحوا في واجهة الموسوعة منهجهم في العمل؛ فعلى الناظر والمستفيد من الموسوعة أن يقرأ "منهج العمل في الموسوعة" قبل أن ينقل عنها أو يعتمد عليها، ليكون على بينة مما يقرأ أو ينقل.

وبالنسبة لهذا الحديث؛ فإن الحكم الذي يظهر في موقع الدرر السنية أن ابن جرير أخرجه في كتابه التاريخ، وأما حكمه عليه فنقلوا عنه أنه قال: " في إسناده نظر " كما تجده على هذا الرابط في موقعهم

فظهر أن صواب العبارة المنقولة إنما هو " في إسناده نظر "، ولم نجد في حكمهم على هذا الخبر بأنه: ينظر في صحته. وهذا الحكم هو للإمام الطبري، راوي هذا الأثر.

ومراد العالم إذا قال ذلك، هو قريب مما ذكرنا في عبارة " ينظر في صحته " .

قال الدكتور عبد الله الجديع: " وأما قول البخاري : ( في إسناده نَظَر ) فتوقُّفٌ منه في ثبوت إسناد معَّين جاء من رواية المذكور ، إذ أكثر ما أتت هذه العبارة في كلامه ، عقبَ حديث أو أثر يذكره في ترجمة الراوي ، فالهاء في قوله ( إسناده ) لا تعود على الراوي ، إنما تعود على الرواية المذكورة ..." .

ثم قال: " وعلى هذا الذي بيَّنْت عن استعمال البخاري يقع استعمال غيره ، إلا أن تقوم قرينةٌ على إرادة معنى مخصوص "  انتهى من "تحرير علوم الحديث" (1/396-397).

ثانيا:

وأما هذا الخبر الذي ذكرته عن ابن عباس، فهو خبر باطل، فشيخ الطبري مجهول، وهو يرويه عن خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ، وهو متهم بالوضع كما في "لسان الميزان" (3/373) وأبو نعيم، هو : عمر بن الصبح بن عمران؛ متروك منكر الحديث، قال عنه ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب لأهل الصناعة فقط.

انظر: "تهذيب الكمال" (21/397).

فتبين بطلان الخبر بهذا السياق.

ثالثا:

وأما مسألة أن الشمس والقمر يكوران يوم القيامة في النار، فقد ورد في صحيح البخاري (3028): عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشمس والقمر ‌مكوران ‌يوم ‌القيامة).

ومعنى مكوران: مطويان ذاهبا الضوء، والتكوير هو: اللف والضم، وليس في البخاري "أنهما في النار" وإنما روى هذه الزيادة بعض العلماء كالطحاوي في "مشكل الآثار" (183)، وغيره. وصححها الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/243).

قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره حديث البخاري: " الشمس والقمر مكوران يوم القيامة، قال: زاد في رواية البزار ومن ذكر معه "في النار" فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أبو سلمه: أحُدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: وما ذنبهما؟..... وأخرج أبو يعلى معناه من حديث أنس وفيه: ليراهما من عبدهما. كما قال الله تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)الأنبياء/98.

قال الخطابي: ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت "توبيخ" لمن كان يعبدهما في الدنيا، ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلاً، وقيل: إنهما خلقا من نار فأعيدا فيها.

وقال الإسماعيلي: لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها، لتكون لأهل النار عذاباً وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة" انتهى ملخصاً من "فتح الباري" (3/600).

وقال ابن قتيبة: "ونحن نقول: إن الشمس والقمر لم يعذبا بالنار حين أدخلاها فيقال ما ذنبهما؟ ولكنهما خلقا منها ثم رُدّا إليها .... وما مثل هذا إلا مثل رجل سمع بقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) البقرة/24، فقال: وما ذنب الحجارة؟!" انتهى من "تأويل مختلف الحديث" (ص165).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (220036)، ورقم: (332202). 

والله أعلم.