عنوان الفتوى : الجمع بين الصلاتين للمريض
عمري 21سنة، وأغسل الكلى منذ عشر سنوات، ولله الحمد رزقني الله الصبر والرضا على هذا القضاء. وكنت مسجلة على قائمة التبرعات، بحيث إذا توفي أحد وتوافقت الأنسجة، يتصلون علي وأذهب للزراعة. زرعت كلية قبل خمس سنوات، لكن توقفت عن العمل بعد عشرة شهور، بسبب مشاكل والتهابات في المثانة، وعدت للغسيل، وأعادوا اسمي للقائمة، رغم أنني كنت متخوفة من الزراعة مرة أخرى بسبب مشاكل المثانة. بعد أربع سنوات من فشل الزراعة، كانت عندي آلام شديدة في المثانة أكثر ألماً من الغسيل، فكان أداء الصلاة على وقتها صعباً عليّ، ولكن كنت أقدر عليه، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها. أردت أَن تخف صعوبة العبادة علي، فذهبت للمشفى من أجل تحديد موعد لإزالة المثانة؛ فأخبروني أنني إذا أزلتها فلن أتمكن من الزراعة مرة أخرى، فوافقت، وتم تحديد موعد للاتفاق مع الأطباء بعد شهر. بعد أسبوع من ذهابي، جاءني اتصال من المشفى بوجود كلية تتوافق مع أنسجتي، ويستعجلونني للذهاب لزراعتها؛ فاحترت كثيراً، ودعوت دعاء الاستخارة، ثم ذهبت وأنا مطمئنة؛ لأنني أحسن الظن بالله، ولأنني شعرت أن الله لم يرد لي إزالة المثانة. ذهبت للمشفى بعد صلاة العشاء، وكان موعد العملية الساعة الثامنة صباحا، فصليت الفجر، ونويت أن أصلي بعد العملية صلاة الظهر، وحسبت الساعات، وعندما استيقظت منها ولله الحمد، كانت أول كلمة نطقتها هل ذهبت علي صلاة الظهر؟ فقالوا لي: لا، فقررت أن أصلي، لكن نمت ولم أقم بالصلاة، وبدأ انقطاعي عن الصلاة منذ تلك اللحظة، لكن لم يكن هذا بإرادتي، فأنا كان همي الأول الصلاة، أحبها وأعلم أني من غيرها تنقطع صلتي بربي سبحانه. فكانت آلامي تزداد يوماً بعد يوم، وكل يوم تسوء حالتي، والكلية نجحت في العمل في الأيام الثلاثة الأولى، ثم توقفت وبدأ الأطباء بمعالجتي علاجات كثيرة دمرت جسدي، من أجل أن ينقذوا الكلية، وكنت ولله الحمد راضية، وأقول الحمد لله، الحمد لله هذا من ذنوبي، وكلما تألمت أقول هذا بسبب ذنوبي؛ فأبكي على ذنوبي وليس على الألم. كنت مستسلمة لله، ولما أراد لي، لكن بسبب تقصيري في الصلاة كنت أشعر بأن بإيماني ينقص، وكلما أرى الساعة تقدمت وحضر موعد الصلاة الأخرى، أجتهد من أجل أن أصلي لكن لا أستطيع. وأكثر من مرة أبدأ بالصلاة وقراءة سورة الفاتحة؛ فأغفو قبل أن أكملها؛ لأنني أصلي وأنا على السرير، وكانت العلاجات لا تتوقف. وكنت أرجو أن يرد الله لي صحتي كما كانت قبل الزراعة، وسأصبر على آلام المثانة، لكن المهم أني أريد الصلاة كما كنت أصلي. ومرّ شهر وأنا على هذه الحال من غير صلاة، وقلبي يضعف، والآلام تزداد. وبعد شهر عدت للبيت والكلية في جسدي لكنها لا تعمل، وكان جسدي ضعيفاً جداً، فكنت أجتهد في أداء الصلاة في أوقاتها، لكن يحصل مني تقصير كثير، فيوم أصلي، ويوم أترك الصلاة، ويوم لا أصلي جميع الصلوات. وأعلم أَن هذا من كبائر الذنوب؛ لهذا لم أكن أفرح بشيء. ومر الشهر الثاني على هذه الحال، ثم جاء الشهر الثالث الذي أُخبرت به أن الكلية لن تعمل أبدا؛ فحمدت الله على قضائه؛ فإنه خير مهما كان ظاهره مؤلمًا. وبعد أيام مرضت مرضا شديداً، وكانت حرارتي ترتفع؛ فوجدوا أن الكلية فيها التهاب، فأزالوها لعدم نجاح المضادات الحيوية في القضاء على الالتهاب، ولضعف المناعة. ثم رجعت للبيت، وحاليا صحتي تتحسن ولله الحمد أشعر بالعافية بعد إزالة الكلية، لكني أشعر أن قلبي فيه قسوة، وأشعر أنني أذنبت كثيراً، فاعتدت الذنب، وخائفة من الصلوات التي ذهبت علي . وفِي الوقت الحالي أصلي، لكن تأتي أيام كثيرة أؤخر الصلوات عن وقتها، ولم أعد أَجِد وقتا أبدا لأي شيء؛ لأن علي صلوات كثيرة أقضيها، واعتدت الراحة، وأنا خائفة كثيراً لا أعلم كيف أعود كما كنت، أرى حال قلبي كل يوم يسوء. فماذا عليّ أن أفعل؟ بوركتم، وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الشفاء والعافية، ونسأله تعالى أن يكتب لك عظيم الأجر؛ لصبرك واحتسابك.
وننصحك بالمداومة على الدعاء، ولزوم الذكر، واستحضار رحمة الله بعبده، وأنه سبحانه أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأن ما يقدره هو الخير والرحمة، والحكمة والمصلحة.
ويجوز لك أن تجمعي بين الصلاتين مشتركتي الوقت، فتصلين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وتصلين المغرب والعشاء في وقت إحداهما؛ وذلك لأنك مريضة، والمريض يجوز له الجمع عند كثير من العلماء، وهذا مذهب الحنابلة.
قال في منار السبيل: [ويباح لمقيم مريض، يلحقه بتركه مشقة] لقول ابن عباس: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة من غير خوف، ولا مطر. وفي رواية: من غير خوف، ولا سفر. رواهما مسلم. وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين. والاستحاضة نوع مرض. انتهى.
وأما قضاء ما عليك، فاجتهدي فيه بحسب استطاعتك، ويسعك الأخذ بقول المالكية، فتقضين صلاة يومين في كل يوم.
وإن كنت مغلوبة على تفويت تلك الصلوات، بحيث لم يمكنك فعلها، فنرجو ألا إثم عليك إن شاء الله.
وإن كان حصل منك تفريط، فاجتهدي في التوبة والاستغفار، والله تعالى غفور رحيم، نسأله سبحانه أن يلطف بك، ويهيئ لك من أمرك رشدا.
وننصحك بالاستماع إلى المحاضرات والخطب النافعة، وصحبة من أمكن صحبته من أهل الخير، ولزوم جادة الصبر؛ فإن في الصبر على ما تكرهين خيرا كثيرا.
والله أعلم.