عنوان الفتوى : جهاد العلم والتعلم
متى يسمى الجهاد بالعلم؟ كثيرا ما يطلقون على الفتاة التي تدرس في الجامعة المختلطة، أنها تجاهد بالعلم. فهل هذا صحيح؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فطلب العلوم الشرعية، وتعليمها وبيانها للناس، وإقامة الحجة بها، من أفضل أنواع الجهاد.
قال ابن القيم -رحمه الله-: وَالثَّانِي الْجِهَاد بِالْحجَّةِ وَالْبَيَان، وَهَذَا جِهَاد الْخَاصَّة من اتِّبَاع الرُّسُل، وَهُوَ جِهَاد الائمة، وَهُوَ أفضل الجهادين؛ لعظم منفعَته، وَشدَّة مُؤْنَته، وَكَثْرَة أعدائه. قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْفرْقَان -وَهِي مَكِّيَّة-: وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيرا * فلا تطع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا. فَهَذَا جِهَاد لَهُم بِالْقُرْآنِ، وَهُوَ أكبر الجهادين، وَهُوَ جِهَاد الْمُنَافِقين أيضا؛ فَإِن الْمُنَافِقين لم يَكُونُوا يُقَاتلُون الْمُسلمين، بل كانوا معهم فِي الظَّاهِر، وَرُبمَا كَانُوا يُقَاتلُون عدوهم مَعَهم، وَمَعَ هَذَا فقد قَالَ تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم. وَمَعْلُوم أن جِهَاد الْمُنَافِقين بِالْحجَّةِ وَالْقُرْآن، وَالْمَقْصُود أن سَبِيل الله هِيَ الْجِهَاد، وَطلب الْعلم، ودعوة الْخلق بِهِ إلى الله؛ وَلِهَذَا قَالَ معَاذ -رضى الله عَنهُ-: عَلَيْكُم بِطَلَب الْعلم؛ فَإِن تعلمه لله خشيَة، ومدارسته عبَادَة، ومذاكرته تَسْبِيح، والبحث عَنهُ جِهَاد. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة.
وطلب العلوم الدنيوية النافعة التي تحتاجها الأمّة، داخل في الجهاد إذا خلصت النية، وحسن القصد.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ومن هذا يتبين أن كل علم ديني مع وسائله التي تعين على إدراكه، داخل فيما يرفع الله -من علمه وعمل به، مخلصا له- عنده درجات، وأنه مقصود بالقصد الأول. وكل علم دنيوي تحتاجه الأمة، وتتوقف عليه حياتها، كالطب، والزراعة والصناعة ونحوها، داخل أيضا إذا حسنت النية، وأراد به متعلمه والعامل به نفع الأمة الإسلامية ودعمها، ورفع شأنها، وإغنائها عن دول الكفر والضلال، لكن بالقصد الثاني التابع، ودرجات كل متفاوتة، تبعا لمنزلة ذلك من الدين، وقوته في النفع ودفع الحاجة، والله سبحانه هو الذي يقدر الأمور قدرها، وينزلها منازلها، وهو الذي يعلم السر وما هو أخفى، وإليه الجزاء ورفع الدرجات في الدنيا والآخرة، وهو الحكيم العليم. اهـ.
وانظري الفتوى رقم: 188951
وأمّا الاختلاط في الجامعات بين الشباب والفتيات، فهو أمر منكر، يجرّ إلى المجتمع كثيراً من البلايا والفتن، ويفتح أبواب الفساد والشرور.
وإذا كانت هناك حاجة للدراسة في الأماكن المختلطة، فالواجب مراعاة أحكام الشرع وآدابه في التعامل بين النساء والرجال الأجانب، وراجعي الفتوى رقم: 2523
وعلى ذلك، فيمكن أن يقال على الفتاة التي تدرس في جامعة مختلطة، إنّها تجاهد، إذا كانت دراستها لحاجة معتبرة، ولمجال مفيد، ولا سيما إذا كانت محافظة على حدود الشرع وآدابه.
والله أعلم.