عنوان الفتوى : الغزوات الإسلامية بين جهاد الطلب وجهاد الدفع
ما حكم غزوة مؤتة وسائر الغزوات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما الذي كان منها جهاد الطلب؟ وما الذي كان جهاد الدفع؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نتبين بالتحديد وجه السؤال، وعلى أية حال فإن الغزوات كانت تتم بأمرالنبي صلى الله عليه وسلم وبمشاركته ماعدا مؤتة، فإنه لم يشهدها ولكنه جعل إمارة الجيش فيها مرتبة لزيد بن حارثة ثم لجعفر بن أبي طالب ثم لعبد الله بن رواحة، وحكمها حكم الجهاد في سبيل الله، وقد شرعه الله تعالى لنشر الإسلام بتذليل العقبات التي تعترض سبيل الدعوة إلى الحق، والأخذ على يد من تحدثه نفسه بأذى الدعاة إليه والاعتداء عليهم حتى لا تكون فتنة ويسود الأمن ويعم السلام، وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ويدخل الناس في دين الله أفواجا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 98595.
ومن المعلوم أن سائرغزوات النبي صلى الله عليه كانت لها أسباب معروفة مذكورة في كتب السير، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الحرص على عرض الإسلام والدعاء إليه قبل القتال كما بوب عليه الهيثمي في مجمع الزوائد بقوله: باب عرض الإسلام والدعاء إليه قبل القتال ـ وأورد فيه الحديث: عنابن عباس قال: ما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم. وقال في تخريجه: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.
ومن هذه الغزوات ما كان للدفع مثل غزوتي أحد والأحزاب، حيث غزت قريش المسلمين في عقر دارهم، ومنها ما كان من قبيل جهاد الطلب مثل غزوة حنين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن في ديارها، وإن كان سببها، أن مالك بن عوف النصري جمع القبائل من هوازن لغزو المسلمين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم، وكذلك غزوة تبوك، حيث بلغ المسلمين أن هرقل جمع جموعاً من الروم، وقبائل العرب الموالية لها لغزوهم، فعلم بهم الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم، وقيل كانت للأخذ بثأر جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكذلك غزوة مؤتة، وكان سببها الأخذ بثأر الحارث بن عمير الأزدي الذي قتله شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني حينما كان الحارث يحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بُصْرَى فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك سرية زيد بن حارثة للأخذ بثأره، قال في مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: ثم دخلت السنة الثامنة فكانت فيها غزوة مؤتة، وسببها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك الروم ـ أو بصرى ـ فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله ولم يقتل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رسول غيره، فاشتد ذلك عليه فبعث البعوث واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، وإن أصيب جعفر فعبد اللَّه بن رواحة فتجهزوا وهم ثلاثة آلاف. انتهى.
وفي شرح زاد المستقنع للشنقيطي: الجهاد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: جهاد الطلب.
والقسم الثاني: جهاد الدفع.
فأما جهاد الطلب: فهو الذي يُطْلَب فيه العدو في أرضه، ويغزو المسلمون فيه الكفارَ في أرضهم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعَلَ الصحابة مِن بعده، والسلف الصالح مِن بعدهم.
وأما جهاد الدفع: فهو أن يدهم العدو بلاد المسلمين فيدفعونه، وهذا يسمى جهاد الدفع. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 40645.
والله أعلم.