عنوان الفتوى : حكم الجمع بين البيع والوكالة، وحكم بيع وشرط
أخذت قرضاً من البنك وهو مجاز من قبل هيئة الفتوى وفي أحد البنود: أني أقوم بتوكيل البنك توكيلاً كاملاً بشراء السلعة وبيعها وإعطائي المال وأخاف أن هذه إجراءات لسرعة التوكيل وأنهم وضعوا هذا الشرط ليحتالوا على الحكم (المال بالمال) فما موقفي وماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما فهمناه من السؤال هو أن العميل يأتي إلى البنك فيشتري منهم سيارة بثمن معلوم إلى أجل، ويوكلهم في نفس العقد ببيع هذه السيارة، وهذا احتمال، أو يشترط عليهم في عقد الشراء بيع السيارة، وهذا احتمال آخر. فعلى الاحتمال الأول يكون قد جمع بين عقدين في صفقة واحدة وهما البيع والوكالة، وهذا الجمع جائز، إلاّ أنه في هذه الصورة يكون قد وكل ببيع ما لم يملكه بعد، فتبطل الوكالة ويبقى عقد البيع صحيحاً، وببطلان الوكالة يبطل تصرف البنك في السيارة تصرف الوكيل، وإن تصرفوا فيها فيكون من قبيل تصرف الفضولي، وقد اختلف أهل العلم في صحته وعدم صحته إن أجازه المالك، فذهب إلى صحته الحنفية والمالكية، وهو رواية عن أحمد، وذهب الشافعية وهو معتمد مذهب الحنابلة إلى أنه لا يصح. أما على الاحتمال الثاني، وهو أن يشترط عليهم في عقد الشراء أن يقوموا ببيع السيارة، فهذا هو ما يعرف عند العلماء ببيع وشرط، وقد اختلفوا فيه اختلافاً واسعاً، والصحيح أنه إن اشترط ما هو من متقضى العقد كالرد بالعيب، أو اشترط ما لا يقتضيه إطلاق العقد لكن فيه مصلحة للعاقد، كخيار الثلاث والأجل والرهن، أو اشترط شرطاً لا يتعلق به غرض يورث تنازعاً، ففي هذه الصور يصح العقد. أما إن اشترط ما سوى ذلك من الشروط التي تنافي مقتضى العقد، فإنه يبطل البيع، وهذا هو مذهب الشافعية، قال الشيرازي رحمه الله في المذهب: فإن شرط ما سوى ذلك -يشير إلى الشروط التي ذكرناها قبل- من الشروط التي تنافي مقتضى البيع، بأن باع عبدا بشرط أن لايبيعه أو لا يعتقه، أو باع داراً بشرط أن يسكنها مدة، أو ثوباً بشرط أن يخيطه له، أو فلعة بشرط أن يحذوها له بطل البيع. وإذا بطل البيع لم تترتب عليه آثاره، فلا تنتقل ملكية المبيع للمشتري ولا ملكية الثمن للبائع. وعلى الاحتمال الأول، وهو صحة البيع وبطلان الوكالة، يحسن أن ننبه السائل إلى الحذر من بيع السلعة إلى المالك الأول حتى لا يكون متحيلاً على الربا. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل محتاج إلى تاجر عنده قماش فقال: أعطني هذه القطعة، فقال التاجر: مشتراها بثلاثين، وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب الشيخ بقوله: المشتري على ثلاثة أنواع: أحدها: أن يكون مقصوده السلعة ينتفع بها للأكل والشرب واللبس والركوب، وغير ذلك. والثاني: أن يكون مقصوده التجارة فيها. فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع. كما قال تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ. وقال تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. لكن لابد من مراعاة الشروط الشرعية، فإذا كان المشتري مضطراً لم يجز أن يباع إلا بقيمة المثل، مثل أن يضطر الإنسان إلى مُشترى طعام لا يجده إلا عند شخصٍ، فعليه أن يبيعه إياه بالقيمة، قيمة المثل، وإن لم يبعه إلا بأكثر فللمشتري أن يأخذه بغير اختياره بقيمة المثل، وإذا أعطاه إياه لم يجب عليه إلا قيمة المثل، وإذا باعه إياه بالقيمة إلى ذلك الأجل، فإن الأجل يأخذ قسطا من الثمن. النوع الثالث: أن يكون المشتري إنما يريد به دراهم -مثلاً- ليوفي بها دينا، واشترى بها شيئا، فيتفقان على أن يعطيه -مثلاً- المائة بمائة وعشرين إلى أجل، فهذا كله منهي عنه، فإن اتفقا على أن يعيد السلعة إليه، فهو (بيعتان في بيعة)، وإن أدخلا ثالثاً يشتري منه السلعة ثم تعاد إليه فكذلك، وإن باعه وأقرضه فكذلك، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان المشتري يأخذ السلعة فيبيعها في موضع آخر، يشتريها بمائة ويبيعها بسبعين لأجل الحاجة إلى دراهم، فهذه تسمى (مسألة التورق) وفيها نزاع بين العلماء، والأقوى أيضاً أنه منهي عنها، وأنها أصل الربا كما قال ذلك عمر بن عبد العزيز وغيره. وقوله منهي عنه في آخر الجواب يعني به نهي كراهة، فقد نص على ذلك في غير موضع من فتاويه. والله أعلم.