عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الزواج بلا وطء
كنت على علاقة بفتاة، وكنت أود الزواج منها، ولكن شاء الله أن تتزوج شخصا آخر والحمد لله... واشترطت على زوجها أن لا يمسها ولا يقربها، ولم تمكنه من نفسها حتى الآن، وأخبرتها أن ذلك يجلب لها غضب الله ولعنة ملائكته... وسأظل أنصحها.... وتتمنع عن زوجها ليس حبا في، وإنما هي لا تريده من الأساس.... والمشكلة تكمن في صحة العقد إذ اختلفت المذاهب وآراء العلماء في صحته أو بطلانه، فثلاثة مذاهب تذهب إلى بطلان العقد، لأن الزواج بلا وطء ليس زواجا، ومذهب واحد فقط هو من يرى أن الشرط فاسد ولا يؤخذ به، وإذا اختلفت المذاهب فبرأي من نأخذ... وإذا كان الزواج باطلا، فهل علي أن أخبرها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا تقع في الزنا؟ والأقرب أنها ستستلم بسبب الأهل وبعض التدخلات، أم ذلك يجعلني من الذين يفرقون بين المرء وزوجه؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المقصود أن هذه الفتاة اشترطت على زوجها عند العقد أو قبله أن لا يقربها زوجها، فمثل هذا الشرط لا يجوز لأنه ينافي مقتضى العقد، وقد اختلف الفقهاء فيما يترتب على اشتراطه، فعند الحنفية والحنابلة يصح العقد ويبطل الشرط، جاء في حاشية ابن عابدين الحنفي قوله: بخلاف ما لو شرط شرطا فاسدا كما لو تزوجته على أن لا يطأها، فإنه يصح النكاح ويفسد الشرط. اهـ.
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني عند ذكره لأنواع الشروط في النكاح: مَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ وَيُصِحُّ الْعَقْدَ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا، أَوْ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا، أَوْ إنْ أَصْدَقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا، أَوْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ يَعْزِلَ عَنْهَا... فَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِهَا، لِأَنَّهَا تُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بِالْعَقْدِ قَبْلَ انْعِقَادِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ... فَأَمَّا الْعَقْدُ فِي نَفْسِهِ فَصَحِيحٌ... اهــ.
وذهب المالكية والشافعية إلى بطلان العقد والشرط معا على خلاف عند المالكية فيما يترتب على ذلك، قال القاضي عليش المالكي عند كلامه عن هذا النوع من الشروط: فهذا القسم لا يجوز اشتراطه في عقد النكاح، ويفسد به النكاح إن شرط فيه، ثم اختلف في ذلك, فقيل: يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده، وقيل: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويسقط الشرط، وهذا هو المشهور. اهـ.
وقال الماوردي الشافعي في كتابه الحاوي: وأما القسم الثالث: وهو ما يختلف حكمه باختلاف مشترطه، فهو ما منع مقصود العقد في إحدى الجهتين دون الأخرى، فمثل أن يتزوجها على ألا يطأها، فإن كان الشرط من جهتها، فتزوجته على ألا يطأها، فالنكاح باطل، لأنها قد منعته ما استحقه عليها من مقصود العقد، وإن كان الشرط من جهته، فتزوجها على ألا يطأها، فالنكاح على مذهب الشافعي صحيح، لأن له الامتناع من وطئها بغير شرط، فلم يكن في الشرط منع من موجب العقد. اهـ.
فتبين بهذا أن من يقول ببطلان العقد مذهبان وليست ثلاثة مذاهب، والقول الذي نفتي به هو صحة العقد وبطلان الشرط. وبناء على هذا، فالواجب عليك اجتناب هذه المرأة تماما، والحذر من أسباب الفتنة، خاصة وأنك كنت على علاقة معها في السابق، وبخصوص الحكم فيما إذا اختلفت على المسلم آراء الفقهاء نرجو مراجعة الفتوى رقم: 327619.
وفي حكم المرأة إذا أجبرها وليها على الزواج ممن لا ترغب فيه راجع الفتوى رقم: 126673.
والله أعلم.