{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].
روى الواحدي وغيره من المفسرين أن سبب نزول هذه الآية أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أبا مَرْثَد الغَنَوِي، وكان حليفًا لبني هاشم، فبعثه إلى مكة سرًّا ليخرج رجلًا من المسلمين، فسمعت بقدومه امرأة يقال لها عناق، وكانت خليلة له في الجاهلية فأتته، فقالت: ويحك يا مرثد ألا تخلو? فقال: إن الإسلام حرم ما كان في الجاهلية، فقالت: فتزوجني قال: حتى أستأذن رسول الله، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنه فنهاه عن التزوج بها، لأنها مشركة فنزلت هذه الآية بسببه.
﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ ﴾: لا تتزوجوا ﴿ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾، أما الكتابيات فقد أباحهنَّ الله تعالى بآية المائدة: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة:5].
وأجمع علماء الأمصار على جواز تزويج الكتابيات، غير أن مالكًا وابن حنبل كرها، ذلك مع وجود المسلمات والقدرة على نكاحهنَّ.
ومن علماء الإسلام من كره تزوُّج الكتابية، وهو قول مالك في رواية ابن حبيب، وهو رواية عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كتب إلى حذيفة بن اليمان وقد بلغه أنه تزوج يهودية أو نصرانية أن خلَّى سبيلها، فكتب إليه حذيفة: أتزعم أنها حرام؟ فقال عمر: لا ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
وقال الطبري: وإنما كرِه عمر لهما تزوجهما حذرًا من أن يقتدي بهما الناس فيزهدوا في المسلمات.
وذهبت طوائف من أهل العلم إلى الاستدلال بأن أهل الكتاب صاروا مشركين لقول اليهود: عزير ابن الله، ولقول النصارى: المسيح ابن الله، وأبوة الإله تقتضي ألوهية الابن، وإلى هذا المعنى جنح عبد الله بن عمر، ففي "الموطأ" عنه: "لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى"، ولكن هذا مسلك ضعيف؛ لأن إدخال أهل الكتاب في معنى المشركين في الآية بعيد، وقد نزلت هذه الآية وأمثالها وهو معلومٌ فاشٍ.
فإذا كانت هذه الآية تمنع أن يتزوج المسلم امرأة يهودية أو نصرانية، وأن يزوَّج أحدٌ من اليهود والنصارى مسلمة، فإن آية سورة العقود خصَّصت عموم المنع بصريح قوله: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة:5]، وقد علم الله قولهم: ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾، وقول الآخرين: ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ﴾.
﴿ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ ﴾ فضلًا عن حرة ﴿ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ ﴾ حرة، ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ أعجبكم حسنها وجمالها أو مالها أو نسبُها.
والمعنى أن المشركة وإن كانت فائقة في الجمال والمال والنسب، فالأمة المؤمنة خير منها، لأن ما فاقت به المشركة يتعلق بالدنيا، والإيمان يتعلق بالآخرة، والآخرة خير من الدنيا، فبالتوافق في الدين تكمل المحبة ومنافع الدنيا من الصحبة والطاعة وحفظ الأموال والأولاد، وبالتباين في الدين لا تحصل المحبة ولا شيء من منافع الدنيا.
﴿ وَلاَ تُنكِحُواْ ﴾ خاطب أولياء النساء المؤمنات، ولذا لا يصح نكاح إلا بولي ﴿ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ لشرفه أو ماله أو سلطانه.
﴿ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ بحالهم ومقالهم وأفعالهم، فمخالطتهم مضرة ومفسدة، ولا سيما بالتزوج منهم، وفي الآية التنفير من مخالطة المشركين عامة والترغيب في البعد عنهم.
قال في البحر المحيط: يحتمل أن يكون الدعاء بالقول، كقول: ﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ ﴾ [البقرة:135]، ويحتمل ألا يكون القول، بل بسبب المحبة والمخالطة تسرق إليه من طباع الكفار ما يحمله على الموافقة لهم في دينهم - والعياذ بالله - فتكون من أهل النار.
وفي هذه الآية تنبيهٌ على العلة المانعة من مناكحة الكفار، لما هم عليه من الالتباس بالمحرَّمات من الخمر والخنزير، والانغماس في القاذورات، وتربية النسل وسرقة الطباع من طباعهم، وغير ذلك مما لا تعادل فيه شهوة النكاح في بعض ما هم عليه، وإذا نظر إلى هذه العلل، فهي موجودة في كل كافر وكافرة، فتقتضي المنع من المناكحة مطلقًا.
﴿ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ ﴾ أحكام دينه؛ أي: يظهرها ويكشفها بحيث لا يحصل فيها التباس ﴿ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾؛ لأن الآية متى كانت جلية واضحة، كانت بصدد أن يحصل بها التذكر، فيحصل الامتثال لما دلت عليه تلك الآيات من موافقة الأمر، ومخالفة النهي.