عنوان الفتوى : رتبة أثر سبب نزول قوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت...
ما صحة هذا الحديث: "أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان، قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ"، والأخرى ذكرها ابن كثير في تفسيره قال: عن ابن أبي حاتم، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: "إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرًا" قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة. فرواية الواحدي في سندها أكثر من راو ضعيف، يكفي في فساد الاستدلال بها أن نثبت ضعف بعض هؤلاء، ففي سندها أبو يحيى الحماني، وهو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وقد رمي بالإرجاء والخطأ، وقال النسائي: (ليس بالقوي)، وقال ابن سعد، وأحمد: (كان ضعيفا) ، وقال العجلي: (كوفي ضعيف الحديث). وفي سندها: صالح بن موسى القرشي، وهو الطلحي، قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)، وقال الأصفهاني: (يروي المناكير عن عبد الملك بن عمير، وغيره، متروك)، وقال البخاري في ضعفائه: (منكر الحديث)، وقال النسائي: (متروك الحديث)، وقال الذهبي: (واه)، وقال العسقلاني: (متروك). وفي سندها خصيف، وخصيف هذا الذي يروي عن سعيد بن جبير هو: خصيف بن عبد الرحمن الجزري، مولى عثمان بن عفان، وقيل: معاوية بن أبي سفيان، قال عنه أحمد بن حنبل: (ليس بحجة، ولا قوي في الحديث)، وقال أيضًا: (ضعيف الحديث)، وقال أبو حاتم: (صالح يخلط، وتكلم في سوء حفظه)، وقال العسقلاني: (صدوق، سيئ الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء)، وقال الذهبي: (صدوق، سيئ الحفظ، ضعفه أحمد). وأما رواية ابن كثير فساقطة سندًا أيضًا، ففي سندها: الحسين ابن واقد، وهو من المدلسين، وصفه بالتدليس الدارقطني، وأبو يعلى الخليلي، وقال عنه ابن حبان: (كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس، وربما أخطأ في الروايات)، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: (ما أنكر حديث الحسين بن واقد عن أبي المنيب، وقال العقيلي: أنكر أحمد بن حنبل حديثه، وقال الأثرم: قال أحمد: في أحاديثه زيادة، ما أدري أي شيء هي، ونفض يده). وفيها: عكرمة البربري، مولى عبد الله بن عباس، وهو ممن اشتهر كذبه على مولاه ابن عباس، فهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامه.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا التفسير المسند عن ابن عباس ليس فيه زيادة على ما دل عليه القرآن صراحة، فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، ويدخلن قطعًا وجزمًا ويقينًا في قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33]، وهذا القدر لا يشك فيه من قرأ سياق الآيات في سورة الأحزاب، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 108816.
وإنما المستفاد من السنة هو دخول غيرهن في هذه الفضيلة، مع كون السياق كان مع الأزواج خاصة، ولم يذكر غيرهن، فجاء في السنة ما يفيد تناول هذه الآيات لعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين -رضي الله عنهم جميعًا-.
والمقصود أن سياق الآيات يكفي وحده في ذلك.
وأما تضعيف أثر ابن عباس المذكور في السؤال فخطأ بين، وإلا فتضعيف عكرمة مولى ابن عباس ما هو إلا مجازفة، رغم ما قيل فيه مما لا يثبت، ويكفينا احتجاج الشيخين - البخاري ومسلم- به، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة، ثبت، عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة. اهـ.
وكذلك الحسين بن واقد، فقد روى له مسلم، والبخاري تعليقًا، وقال عنه الذهبي في الكاشف: قال ابن المبارك: من مثله؟ ووثقه ابن معين وغيره. وقال عنه ابن حجر: ثقة له أوهام.
وأما زيد بن الحباب فروى له مسلم، والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وقال عنه الذهبي: الحافظ، لم يكن به بأس، قد يهم. وقال ابن حجر: صدوق، يخطئ في حديث الثوري.
وهذا ليس من حديثه عن الثوري، فمثل هذا الإسناد لا ينزل عن مرتبة الحسن؛ ولذلك أورد الذهبي هذا الأثر في سير أعلام النبلاء بإسناد حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ. قال: نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. ثم قال: إسناده صالح، وسياق الآيات دال عليه. اهـ.
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيق السير: إسناده حسن. اهـ.
والله أعلم.