عنوان الفتوى : سبب نزول قوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) وما فيه من إشكال
تقول بعض الروايات الصحيحة إن أبا قحافة والد أبي بكر الصديق ـ رضي اللَّه عنه ـ قد أسلم عام الفتح، في القصة الشهيرة التي أمره فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب الذي على رأسه، في حين أننا نجد في سورة الأحقاف أن الآية: ووصينا الإنسان بوالديه حسناً حملته أمه كرها ووضعته كرها ـ قد نزلت في أبي بكر الصديق حين أسلم والداه، فهل نزلت هذه الآية بعد الفتح؟ أم أنها مكية؟ وإذا كانت مكية فكيف نجمع بين القولين؟. أفيدونا مشكورين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من الإشكال صحيح، فإسلام أبي قحافة كان في فتح مكة، وأما سبب نزول الآية المذكور: فقد ذكره الطبري بلا إسناد، فقال: وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. انتهى.
وقال الواحدي في أسباب النزول: قوله عز وجل: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَة… الآية {الأحقاف: 15} قال ابن عَبَّاسٍ في رواية عطاء: نزلت في أبي بكر الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنةً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنةً، وهم يريدون الشام في التجارة، فَنَزلوا مَنْزلاً فيه سِدْرَةٌ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها، ومضى أبو بكر إلى راهبٍ هناك يسأله عن الدين، فقال له: من الرجل الذي في ظل السِّدْرة؟ فَقَالَ: ذاك مُحَمّد بن عَبْد الله بن عَبْد المطلب، قَالَ: هَذَا والله نبيٌّ، وما استظل تحتها أحدٌ بَعْدَ عيسى بن مريم إلا محمدٌ نبي الله، فوقع فِيْ قلب أبي بكر اليَقِيْن والتصديق، فكان لا يفارق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيْ أسفاره وحضوره، فَلَمَّا نُبِّئَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابن أربعين سَنَة، وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنةً أسلم وصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بلغ أربعين سَنَة قَالَ: رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ… الآية {الأحقاف : 15}. انتهى.
قال محققه ماهر الفحل: ذكره السيوطي في الدر المنثور: 7ـ 443 ـ مختصراً وعزاه إلى ابن مردويه، وبنحوه ذكره البغوي في تفسيره 4ـ195 دُوْنَ إسناد.
وبالتالي، فلا يمكننا الجزم بصحة القصة، وقد مال بعض المفسرين إلى أن الآية نزلت عامة، وقد ذكر ابن عطية ـ رحمه الله ـ تأويلا لهذا السبب على فرض صحته، فقال: وقال الطبري: وذكر أن هذه الآية من أولها نزلت في شأن أبي بكر الصديق، ثم هي تتناول من بعده، وكان ـ رضي الله عنه ـ قد أسلم أبواه، فلذلك قال: وَعَلى والِدَيَّ، وفي هذا القول اعتراض بأن هذه الآية نزلت بمكة لا خلاف في ذلك، وأبو قحافة أسلم عام الفتح، فإنما يتجه هذا التأويل على أن أبا بكر كان يطمع بإيمان أبويه ويرى مخايل ذلك فيهما، فكانت هذه نعمة عليهما أن ليسا ممن عسا في الكفر ولج وحتم عليه ثم ظهر إيمانهما بعد، والقول بأنها عامة في نوع الإنسان لم يقصد بها أبو بكر ولا غيره أصح. انتهى.
والله أعلم.