أرشيف المقالات

من نواقض الإسلام السحر ، ومنه الصرف والعطف (1)

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
من نواقض الإسلام: السحر
ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر (1)

الناقض السابع:
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: [السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قول الله تعالى: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102]].
 
الشـرح:
المسألة الأولى: تعريف السحر.
السحر لغة: ما خفي ولطف سببه، ومنه قول العرب في الشي إذا كان شديداً خفاؤه: "أخفى من السحر".
 
ومنه يسمى السَحَر لآخر الليل، ولخفاء الأفعال فيه، والرئة تسمى سحراً وهي حمل الغذاء وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره، أي انتفخت رئته من الخوف.
 
والسحر في الشرع ينقسم إلى قسمين:
الأول: عقد ورُقى، أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، ولكن قال الله تعالى: ﴿ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ﴾ [البقرة: 102].
 
الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله، فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى بالصرف والعطف، فيعطفون الرجل على زوجته حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء،أو العكس فيصرفونه عنها.
 
إذن من السحر ما يكون شركاً وهو الأول ما كان باستخدام الشياطين ومنه ما يكون عدواناً و ظلماً وهو الثاني، ما يكون باستخدام الأدوية والعقاقير وكثرت تعريفات العلماء للسحر لكثرة أنواعه فقد قيل في تعريفه غير ما سبق.
 
قال الشنقيطي في أضواء البيان (4/444):
"السحر في الاصطلاح لا يمكن حدّه بحدٍّ جامع مانع لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها، يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حدّه اختلافاً متبايناً".
 
المسألة الثانية: هل للسحر حقيقة أم أنه ضرب من الخيال.
السحر له حقيقة عند جمهور أهل العلم وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
 
قال النووي: "ويدل عليه الكتاب والسنة المشهورة " ومن الأدلة في ذلك:
1- قول الله تعالى: ﴿ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ [الفلق: 4].
 
ووجه الدلالة: أن الله أمر بالاستعاذة منه ولو لم يكن حقيقة لم يأمرنا بالاستعاذة منه.
 
والنفاثات: جمع نفاثة وهي التي تعقد العقد وتنفث فيها.
 
2- قوله تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة: 102].
 
ووجه الدلالة: من جهتين: أنه يُتعلَّم، والثانية: أنه سبب في التفريق بين المرء وزوجه وهذا يدل على أن له حقيقة.
 
3- ومن السنة: حديث عائشة في الصحيحين: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُحر، حتى إنه ليُخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب.
قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطه، وفي جف طلعة في بئر ذروان" ولما حلّ النبي السحر قال: "إن الله شفاني" والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض مما يدل على أن له حقيقة.
 
قال ابن هبيرة في كتابه "الإشراف على مذاهب الإشراف":
"أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده".
 
وخالف أهل السنة والجماعة في ذلك المعتزلةُ الذين قالوا أن السحر لا حقيقة له بل هو تخييلي، والحق كما سبق أن للسحر حقيقة، ومن السحر ما هو تخييلي.
 
فالسحر له نوعان باعتبار المسحور:
الأول: حقيقي، وسبقت أدلته.
والثاني: تخييلي.
 
وهو سحر الأعين يخيّل لمن ينظر إليه أنها تغيرت أو تحولت إلى كذا كأن يأتي الساحر بحشرات فيلقي عليها سحره فتصبح لمن ينظر إليها كأنها غنم ثم بعد قليل تعود إلى طبيعتها فهو سحر تخييلي لا حقيقة له وهو من جنس ما فعله فرعون مع موسى عليه السلام لما جمع السحرة ليقابلوا موسى فعملوا سحراً تخييلاً.
 
ويدل على ذلك: قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ ﴾ [الأعراف: 116].
فلم يقل الله تعالى (سحروا الناس) وإنما قال (سحروا أعين الناس) وهذا هو السحر التخييلي.
 
2- قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66].
ولم يقل: تسعى على الحقيقة، بل يُخيّل إلى موسى ذلك.
 
فائدة: السحر معروف ومحرم في جميع الأديان.
 
قال سليمان بن عبد الله في "تيسير العزيز الحميد" ص (386): "السحر محرم في جميع أديان الرسل عليهم السلام كما قال تعالى: ﴿ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حيْثُ أَتَى ﴾.
 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النبوات ص (272): "اسم الساحر معروف في جميع الأمم" أ.
هـ.
 
ويدل على ذلك: قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].
 
المسألة الثالثة: السحر يدخل في الشرك من جهتين:
الأولى: ما فيه من استخدام الجن والشياطين، والتقرب إليهم من دون الله بما يريدونه، ليوصلوا الساحر إلى مبتغاه، والسحر من تعليم الشياطين كما قال تعالى: ﴿ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ ﴾ [البقرة: 102].
 
الثانية: لما فيه من ادعاء لعلم الغيب، ومما لاشك فيه أن في هذا منازعة لله عز وجل في خصوصياته: ﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: 65].
 
وادعاء علم الغيب شرك لما في ذلك من مشاركة الله في ذلك.
 
والسحر إن كان كذلك فهو كفر وشرك لما سبق، إلا أن هناك أنواعاً من السحر لا تدخل تحت هذا الباب فالسحر على قسمين:
الأول: شرك: وهو الذي يكون بواسطة الشياطين، يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور.
الثاني: عدوان وظلم: وهو الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير، لأذية الخلق وصدهم عما يريدون.
 
وعلى هذا التقسيم تبنى مسألة كفر الساحر.
 
المسألة الرابعة: هل يكفر الساحر أو لا يكفر؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أن الساحر يكفر مطلقاً، وذهب إلى هذا القول أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية له وطائفة من السلف.
 
واستدلوا: بأدلة أقواها قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102].
 
ووجه الدلالة: أن الشياطين كفروا بتعليمهم الناس السحر، وأن الملكين لا يعلمان أحداً إلا أخبراه بأن تعلم السحر كفر فمن تعلم السحر كفر.
 
والقول الثاني: أنه يُستفصل من الساحر فإن كان وقع في مكفر من المكفرات كعبادة الشياطين وادعاء علم الغيب كفر وإلا لم يكفر، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم وهو اختيار الشافعي وأحمد في رواية له وداود الظاهري، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين، فكفر الساحر ينبني على سحره الذي سحر به الناس، فإن كان من القسم الأول وهو عبادة الشياطين والتقرب إليهم أو بادعاء علم الغيب فهذا شرك فالساحر يكفر بهذا، وإن كان من القسم الثاني وهو ما كان باستخدام الأدوية والعقاقير فهذا عدوان وظلم دون الكفر، وما ورد من الأدلة في كفر الساحر فهي محمولة على ارتكابه مكفر من المكفرات التي تخرجه عن ملة الإسلام منها الآية السابقة ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ فقد أجاب الشافعي وغيره عن هذه الآية بأن أهل بابل كانوا يعتقدون التقرب إلى الكواكب السبع وأنها تفعل ما يُلتمس منها، وهذا مما لاشك فيه شرك أكبر مخرج عن ملة الإسلام.
 
قال الشافعي في كتابه الأم (1/256):
"فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً، وكان غير معروف ولم يضر به أحداً نهي عنه فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحداً من غير قتل فعمد أن يعلمه عزر".
 
قال الشنقيطي في أضواء البيان (4/456):
"التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل: فإن كان السحر مما يُعظم فيه غير الله، كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر، فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة، فإنه كفر بلا نزاع....
وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر، وهذا هو التحقيق إن شاء الله في هذه المسألة التي اختلف فيها العلماء".
 
وممن أطلق الكفر على الساحر المصنف رحمه الله في هذا الناقض وظاهر كلامه أن مراده القسم الأول وهو ما كان باستخدام الشياطين.

شارك الخبر

المرئيات-١