عنوان الفتوى : حكم علاج طبيب الأسنان للنساء والأجر المكتسب من عمله
أنا طالب في المرحلة الثالثة في كلية طب الأسنان، الحمد لله ملتزم بالصلاة في المسجد في جميع الصلوات، وأحفظ تقريبا نصف القرآن، والحمد متفوق في دراستي، لكن هناك بعض المسائل التي بدأت تؤثر في دراستي تأثيرا سلبيا، بحكم ما أراه في المستشفيات، والعيادات الخاصة، وهي كما يلي: 1- في عيادات المستشفى يكون العمل إما مع طبيبة، أو منفردا، وهذا الأمر ليس اختياريا. أولا: ما حكم عملي مع طبيبة في عيادة واحدة؟ ثانيا: يأتي إلى عيادة الأسنان في المستشفى حوالي 75 في المائة من المراجعين من النساء سواء كن شابات، أو أكبر في العمر. فما حكم علاجي لهؤلاء النسوة من خلع، أو حشو، أو تنظيف للأسنان، مع وجود طبيبة قد تكون أمهر مني، ولكن المريضة تأتي إلى لكي أعالجها. فماذا أفعل، مع العلم أن لكل طبيب، أو طبيبة نصيبه من العمل؟ 2- في العيادة الخاصة بطبيب الأسنان، والتي يعمل فيها بعد الدوام في المستشفى في المساء، يكون عمله في منطقة مكتظة بأطباء وطبيبات الأسنان، الذين قد يكونون أمهر منه وأفضل، ولكن المراجعين والذين هم في الغالب والأكثر عددا من النساء، يأتين إلى عيادته للعلاج مع وجود الطبيبات الأمهر. فماذا يفعل هل يرفض علاج النساء أم ماذا يفعل؟ 3- طبيب الأسنان ينظر إلى وجه المرأة عند تكلمه معها، أثناء سؤاله لها عن سبب المراجعة، ومن أجل التشخيص. فما حكم ذلك؟ 4- ما حكم المال المكتسب من علاجي للنساء مع وجود طبيبات أمهر مني، ولكن المرأة تأتي للعلاج عندي؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل على الأسئلة ؛ لأن مستقبلي -إن شاء الله- مرتبط بها، ولم ألجأ إلى هذا الموقع إلا لثقتي التامة بالقائمين عليه من أهل العلم والفضل، جزاهم الله كل خير. وأعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يكون عمل الأطباء، منفصلاً عن عمل الطبيبات، وأن يقوم الأطباء بمداواة الرجال، والطبيبات بمداواة النساء، لكنّ عمل الطبيب مع طبيبة أجنبية في عيادة واحدة، ليس محرماً على كل حال، فيجوز إذا لم يشتمل على خلوة، أو اختلاط مريب، ومداواة الطبيب للنساء، أو مداواة الطبيبات للرجال، جائزة عند الحاجة.
ويجوز للطبيب حيث دعت الحاجة لمداواته المرأة، أن ينظر منها إلى موضع الحاجة.
قال النووي -رحمه الله-: " .... ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا، أن لا يكون هناك امرأة تعالج، وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل، أن لا يكون هناك رجل يعالج، كذا قاله أبو عبد الله الزبيري والروياني، وعن ابن القاص خلافه. قلت: الأول أصح. روضة الطالبين.
وقال الشربيني -رحمه الله-: ..النظر للمداواة كفصد وحجامة، وعلاج ولو في فرج، فيجوز إلى المواضع التي يحتاج إليها فقط؛ لأن في التحريم حينئذ حرجا، فللرجل مداواة المرأة وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة، إن جوزنا خلوة أجنبي بامرأتين، وهو الراجح. الإقناع للشربيني.
وقد ناقش مجلس مجمع الفقه الإسلامي، البحوث الواردة إليه بخصوص موضوع مداواة الرجل للمرأة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة مسلمة، يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك، يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم، يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض، ومداواته، وأن لا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة خشية الخلوة، ويوصي بما يلي: أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية، والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء.اهـ.
وعليه، فيراعي الطبيب ذلك في مجال عمله، فمتى كانت هنالك طبيبة مختصة، فعلى النساء العلاج عندها، وليس للرجل أن يتولى ذلك ولو طلبنه منه، لكن إذا لم يكن له اختيار في مداواة النساء؛ لكون المستشفى يخصص له حصة من المرضى، ولا يملك تغييرها، فلا حرج عليه حينئذ في مداواة النساء، مع مراعاة الضوابط الشرعية.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا، وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن، أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال، فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة، أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة، وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن، فهذه حاجة، ولا بأس بها. انتهى. "لقاءات الباب المفتوح".
أمّا حكم المال المكتسب من مداواة النساء، فهو حلال، ما دمت قد بذلت العمل المطلوب، وانظر الفتوى رقم: 214135.
والله أعلم.