عنوان الفتوى : شروط صحة بيع المرابحة للآمر بالشراء
أحد الإخوة يريد شراء سيارة، فيذهب لمكتب يشتريها باسمه نقداً، ثم يبيعها له بالأقساط، ولكن يأخذ المكتب من طالب شراء السيارة جزءاً من ثمنها نقداً، ويدفعه، مع إضافة باقي المبلغ لمالك السيارة، فإذا اشتراها من مالكها، أبقاها مسجلة باسمه عند وزارة الداخلية والمرور، ولكن يجري المكتب عقداً جديداً بينه وبين طالب الشراء، يحمله تكاليف إصلاحها، ومخالفات المرور، ونحو ذلك، ولا يسجلها باسمه إلا بعد تمام دفع الأقساط. فما قولكم دام فضلكم؟ وهذا توضيح للسؤال: المكتب يشتري السيارة، وجزء من سعرها يقدمه طالب الشراء كدفعة أولى، ليخف عليه القسط، وجزء يدفعه المكتب، ويسجل المكتب السيارة باسمه، ويقسط باقي مبلغ السيارة الذي دفعه هو نقداً مع زيادة بسبب التقسيط، وبعد أن يشتري المكتب السيارة، يبيعها لراغب الشراء بالأقساط المتبقية، ويبقي السيارة باسمه؛ ليضمن حقه، ولكنه يجري أيضا عقداً بينه وبين الراغب في السيارة، ببيعها له بالأقساط، وتسجيلها باسمه عند إتمام دفع الأقساط، ويحمل الراغب تكاليف إصلاح السيارة في هذه المدة، إن تعطلت، والمخالفات المرورية ونحوها، فتبقى السيارة باسم المكتب، إلى أن تدفع الأقساط كلها، ويستعملها الراغب في تلك المدة، ويتحمل إصلاحها ومخالفاتها.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبخصوص المعاملة التي سألت عنها: فهي تعرف ببيع المرابحة للآمر بالشراء، وهي معاملة جائزة في الأصل، إذا ضبطت بالضوابط الشرعية، ومن أهم الضوابط: أن يتم البيع بعد دخول السلعة في ملك وضمان البائع -المأمور بالشراء-، وفي حالة تأجيل الثمن على أقساط، يشترط أن يتضمن العقد عدد الأقساط، ومقدار كل قسط، وأن لا يزيد ثمن السلعة بالتأخر في السداد، أو تترتب على ذلك غرامة.
وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي، بجواز بيع المرابحة للآمر بالشراء، ونصه:
أولاً: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء، إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي، ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع، وانتفت موانعه.
ثانياً: الوعد -وهو الذي يصدر من الآمر، أو المأمور على وجه الانفراد- يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب، ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلاً، بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
ثالثاً: المواعدة -وهي التي تصدر من الطرفين- تجوز في بيع المرابحة، بشرط الخيار للمتواعدين، كليهما، أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار، فإنها لا تجوز؛ لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة، تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع، حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي عن بيع الإنسان ما ليس عنده. اهـ.
وأما المبلغ المأخوذ من الآمر بالشراء، فإن كان بعد تملك المكتب للسيارة، وبعد بيعها للآمر بالشراء، فذلك المقدم جزء من الثمن، ولا حرج فيه، وهو ما يعرف بالقسط الفوري، أو المقدم، وإن كان قبل شراء المكتب للسيارة: فلا يصح أن يدفع على أنه من الثمن، لكن يصح أن يدفع على أنه ضمان لجدية الآمر بالشراء، ويسمى بهامش الجدية، وراجع لمعرفة ضوابط الجواز، الفتوى رقم: 238312، والفتوى رقم:25118.
وأما بقاء السيارة باسم المأمور بالشراء بعد بيعها -مع تحمل المشتري تكاليف إصلاح السيارة، والمخالفات المرورية ونحوها- : فلا يؤثر على صحة البيع، فنقل السيارة باسم المشتري، هو شأن إجرائي للتوثيق، وليس شرطا في صحة البيع، كما سبق في الفتوى رقم: 120690.
وبقاء السيارة باسم المأمور بالشراء، هو من باب رهن المبيع على ثمنه، وهو جائز على الراجح.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده؛ لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 126455.
والله أعلم.