عنوان الفتوى : فواتح السور من مظاهر إعجاز القرآن
من المسلّم به أن الحروف المقطعة جاءت تحدّ للمشركين، ومن المسلّم به أيضًا أن تلك الأحرف المقطعة لا يعلمها غير الله عز وجل، والمشركون ينتظرون ـ كما يزعمون ـ إيجاد خطأ واحد لإثبات كذب هذا القرآن وتفنيده، لكن إذا كانت هذه الأحرف لا يعلمها إلا الله، ولا يعلمها بشر، فكيف لم يكذّب المشركون بهذه الأحرف المقطعة غير المفهومة للبشر، مع أنهم على أشد الحرص على تفنيد القرآن، ولم يقل أحد: جئتنا بأحرف غير مفهومة يا محمد ـ أو شيئًا من هذا القبيل؟ ومن الممكن أن يقول أحدهم: انظر هذه الأحرف المقطعة، فأنا أجد هذا عجيبًا، وأيضًا بما أن طه من الحروف المقطعة، فكيف أسلم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بعد سماعه إياها مع أنها من الحروف المقطعة التي لا يعلمها إلا الله؟ وأشكركم على خدمتكم للإسلام، وجعل مثواكم في عليين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في عدة فتاوى سابقة أنه اختلف المفسرون في تفسير فواتح السور، وأرجح ما قيل فيها: أنها من مظاهر إعجاز القرآن، وأن الله جل وعلا قد استأثر بعلم مراده منها، ولم نر من المفسرين، ولا من أصحاب السير من ذكر اعتراض الكفار عليها، وهذا يدل على إذعانهم للتحدي، والإعجاز، وعدم قدرتهم على الطعن في القرآن الكريم، بل شهد كبراؤهم ببلاغته، وسمو عباراته، فقد روى الحاكم، وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم، إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا! قال: لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالًا، قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له، أو أنك كاره له، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو، وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه! قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره ـ فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيدًا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ـ ووافقه الذهبي.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 64028.
والله أعلم.