عنوان الفتوى : القول الصحيح في القدر المعجز من القرآن
ماذا يقول أهل السنة والجماعة في موضوع القَدر المُعجز من القرآن الكريم؟ فكل حرف من كتاب الله مُعجزٌ في موضعه، لكن ما هو القدر المعجز من القرآن؟ وهل قول من قال إن السور الطويلة فقط هي المُعجزة -وهذا أراه قولًا باطلًا- هل هذا القول كفرٌ؛ لكونه يُناقض آيات أم لا؟ وهل الأحسن في مثل هذا الموضوع - أي موضوع القدر المعجز - ترك الخوض فيه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من أهل العلم نص على التفريق بين السورة القصيرة والطويلة في الإعجاز، ولكن منهم من قال: لا يحصل الإعجاز بآية بل يشترط الآيات الكثيرة. كما ذكر السيوطي في (الإتقان).
وقد وقع في القدر المعجز من القرآن خلاف بين أهل العلم على أقوال مشهورة:
ـ أولها: أن الإعجاز متعلق بجميع القرآن لا ببعضه، وهو قول مردود، قال به بعض المعتزلة.
ـ وثانيها: أن الإعجاز يتعلق بقليل القرآن وكثيره. وهذا ما رجحه الدكتور فهد الرومي في كتابه: (دراسات في علوم القرآن).
ـ وثالثها: أن الإعجاز متعلق بسورة تامة طويلة أو قصيرة، وهذا رأي الجمهور.
قال الدكتور مصطفى مسلم في كتابه (مباحث في إعجاز القرآن): ورأي الجمهور هنا هو الذي يظاهره ويؤيده ظاهر مراحل التحدّي فيه. اهـ.
وزاد بعضهم أنه يتعلق أيضًا بقدر سورة تامة، وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات، فيكون مقدار هذه السورة من الآيات معجز.
وهنا ننبه على أمر مهم ذكره الدكتور مصطفى مسلم فقال: يجب التفريق بين أمرين:
ـ الأول: ما وقع به التحدي، فالتحدي لم يقع على أقل من سورة، والسورة تطلق على القصيرة والطويلة، والسورة بشخصيتها المستقلة هي المقصودة في آيات التحدي، والإتيان بمثلها خارج عن طوق الإنس والجن وإن قصرت كسورة الكوثر.
ـ الأمر الثاني: القدر الدال على كون القرآن كلام الله، أي معرفة مصدر القرآن وكونه وحيا منزلا من الله، وهذا لا يتقيد فيه بمقدار معين، فقد يدرك ذلك من خلال سورة، أو من خلال آية واحدة، أو بعض آية أو كلمة واحدة، فورود بعض الكلمات في سياق الحقائق الكونية أو الحقائق العلمية في النفس الإنسانية يدل على أن ذلك لا يدخل في نطاق العلم البشري، كما في قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَأَمْواتاً [المرسلات: 25، 26]. وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً [الفرقان: 45، 46]. وقوله تعالى: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ [الزمر: 6]. فهذه الحقائق لم تكن في مقدور أحد من البشر أن يحيط بها علما عند نزول القرآن الكريم، فدل ذلك على أن الذي يعلم السر في السماوات والأرض هو منزل القرآن الكريم .. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 156833، 27843، 61775.
وأما السؤال عن كفر من قال بأن الإعجاز حاصل بالسورة الطويلة فقط، فهذا يجري على ما لاحظناه على الأسئلة السابقة للأخ السائل، حيث يكثر من السؤال عن مسائل تتعلق بالكفر، ونخشى عليه أن يكون واقعا في الوسوسة في هذه المسائل، وفي هذه الحال فإننا ننصحه بعدم المبالغة والتعمق فيها.
وعلى أية حال فهذا القول مع بطلانه ليس بكفر، ولا يناقض صريح القرآن، وإن كان يخالف ظاهره. وقد سبق لنا التنبيه على وقوع الخلاف في القدر المعجز من القرآن.
والله أعلم.