عنوان الفتوى : أصل الظلم منفي عن الله تعالى
قال الله"وما الله بظلام للعبيد" أطلقت صفة الظلم بالمبالغة فإذا نفيناها تصبح صفة الظلم منسوبة إليه، وهذا خطأ وشرك كيف تفسرون الآية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن نفي الظلم عن الله تبارك وتعالى ورد بصيغة المبالغة في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، من ذلك قوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [لأنفال:51-52]. وقوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:10-11]. وقوله تعالى: )مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [قّ:29]. وقوله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:46-47]. وأما قول السائل الكريم "وما الله بظلام للعبيد" فلم يرد بهذا اللفظ في القرآن الكريم، ومعنى الآية إجمالا: نفي جميع الظلم عن الله تبارك وتعالى وانه لا يعاقب من ليس بمجرم لأن الله تعالى لما وضع للناس الشرائع وبين الحسنات والسيئات ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانونا فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلما، إذ الظلم هو الاعتداء على حق الغير في القوانين المتلقاة من الشرائع الإلهية، بتصرف من كتاب تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور. إذن فالمنفي هنا هو الظلم من أصله، ونفي صيغة المبالغة قد دلت أدلة كثيرة منفصلة على أن المراد به نفي الظلم من أصله، فمن ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً [يونس:44]، وقوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49]، والقرآن يفسر بعضه بعضا ويبين ما أجمل منه. والإشكال الذي أشار إليه السائل الكريم وهو أن لفظة ظلام فيها صيغة مبالغة ونفي المبالغة لا يستلزم نفي الفعل من أصله قد أجاب عنه اهل العلم بأجوبة شافية واضحة نحيلك إليها في تفسير أضواء البيان للشنقيطي وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور. ونختصر لك منهما ما يتسع له المقام قالوا: وأما صيغة ظلام المقتضية المبالغة في الظلم فهي معتبرة قبل دخول النفي على الجملة التي وقعت فيها، وقال علماء المعاني: إن النفي إذا توجه إلى كلام مقيد قد يكون النفي، نفيا للقيد وقد يكون القيد قيدا للنفي ومثلوا بالآية المذكورة، وهذا استعمال دقيق في الكلام البليغ في نفي الوصف المصوغ بصيغة المبالغة، ومن تمام عدل الله تعالى أن جعل كل درجات الظلم في رتبة الظلم الشديد.. أفاده ابن عاشور في التحرير. ومن الأوجه التي تستلزم نفي الظلم من أصله وإزالة الإشكال عن التعبير بصيغة المبالغة هو أن الله تعالى نفى ظلمه للعبيد والعبيد في غاية الكثرة، والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد المنفي عنهم الظلم، إذ لو وقع على كل عبد منهم ظلم ولو قليلا كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة، وبذلك يعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم عن كل عبد من أولئك العبيد الذين هم في غاية الكثرة. أفاده الشنقيطي في الأضواء. وبهذا تعلم أن صيغة المبالغة هنا في غاية البلاغة فقد جاءت في هذا السياق لنفي الظلم من أصله عن الله عز وجل الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتوى رقم: 2306. والله أعلم.