عنوان الفتوى : ما معنى: مثلًا بمثل في حديث الأصناف الربوية؟ وما الحكمة من تبادل مثل بمثل؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما معنى: مثلًا بمثل، في حديث صرف العملات؟ فما الفائدة من تبادل 5 غرام ذهب، ب 5 غرام ذهب، أو رطل قمح، برطل قمح، إن لم يكن أحد البدلين أفضل من الآخر، وعندئذ تتم المبادلة بالمفاضلة؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد استفاضت السنة بالنهي عن ربا الفضل، في أصناف معينة، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز.

قال ابن الجوزي: وقوله: ((لا تشفوا بعضها على بعض)) أي لا تفضلوا، ولا تزيدوا. والشفوف: الزيادة، يقال: شف يشف: إذا زاد. وقد يقال: شف: إذا نقص، فهو من الأضداد. اهـ. من كشف المشكل.

وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد.

وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد، أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء. أخرجهما مسلم.

ومعنى (مثلًا بمثل) ظاهر جلي، لا يحتاج إلى مزيد شرح، فالمراد به النهي عن التفاضل، والأمر بالتساوي، وقد بين في الروايات الأخرى: (سواء بسواء)، (فمن زاد، أو استزاد، فقد أربى).

وأما ما ذكرته بقولك: (فما الفائدة من تبادل 5 غرام ذهب، ب 5 غرام ذهب، أو رطل قمح، برطل قمح! إن لم يكن أحد البدلين أفضل من الآخر) فصحيح أنه لا يقوم عاقل بمبادلة شيء بشيء آخر مماثل له من كل وجه بنفس المقدار، وإنما يحدث هذا عند اختلاف الصفات، كما قال ابن تيمية: وإلا فمعلوم أنه مع استواء الصفات، لا يبيع أحد مدّ حنطة أو تمر، مُدًّا بُمدٍّ، يدًا بيد، هذا لا يفعله أحد. وإنما يفعل هذا عند اختلاف الصفات، مثل أن يكون هذا جيدًا، وهذا رديئًا، أو هذا جديدًا، وهذا عتيقًا، وإذا اختلفت الصفات، فهي مقصودة. اهـ.

وإنما يتم فقه هذا الأمر، بفهم الحكمة التي من أجلها نهى الشرع عن ربا البيوع بنوعيه: ربا النسيئة، وربا الفضل، وننقل هنا كلامًا نفيسًا لابن تيمية يبين فيه الحكمة من ذلك، فيقول: ولكن الدراهم والدنانير هي أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقويم الأموال، فيجب أن يكون محدودًا مضبوطًا، لا ترفع قيمته ولا تنخفض؛ إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع، لم يكن لنا ثمن نعتبر به المبيعات، بل الجميع سلع، والحاجة إلى أن يكون للناس ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة عامة. وقد حرم فيهما ربا النَّسَاء؛ لما فيه من الضرر، ولو أبيح فيها ربا الفضل مثل أن يبيعوا دراهم بدراهم أكثر منها، صار ذلك تجارة في الثمن، ومتى اتجروا فيها نقدًا، تذرعوا إلى التجارة فيها نسيئة. ولو أبيحت التجارة في الأثمان، مثل أن يبيع دراهم بدراهم إلى أجل، لصارت الدراهم سلعة من السلع، وخرجت عن أن تكون أثمانًا، فحرم فيها ربا الفضل؛ لأنه يفضي إلى ربا النَّسَاء، وربا النَّسَاء فيها يضر، وإن اختلفت بالصفات؛ لأنه يخرجها عن أن تكون أثمانًا. وإذا وقعت فيها التجارة قصدت صفاتها، فيقصد كل واحد ادخار ما يرتفع ثمنه في وقت، كما يصنعون بالدراهم إذا كانت نقودًا ينقون خيارها، وكما يصنعون بالفلوس أحيانًا. وهذا كله مما نهي عنه في الأثمان، فالأثمان المتساوية متى جعل بعضها أفضل من بعض، حصل الفساد، بل لا بد ألا تقصد لأعيانها، بل يقصد التوسل بها إلى السلع. وأما الأصناف الأربعة، فالناس محتاجون إلى القوت، كالأصناف الأربعة، وكما يشابهها من المكيلات، فمن تمام مصلحة الناس، أن لا يتجر في بيع بعضها ببعض؛ لأنه متى اتجر في ذلك، خزنها الناس، ومنعوا المحتاج منها، فيفضي إلى أن يعز الطعام على الناس، ويتضررون بتقليل الانتفاع به، وهذا هو في بيع بعضها ببعض إلى أجل. فإنه متى بيعت الحنطة بالحنطة إلى أجل، أو التمر بالتمر، أو الشعير بالشعير، ونحوه [شحت] الأنفس ببيعها حالَّة، طمعًا في الربح إذا بيعت إلى أجل، وإذا لم تبع حالَّة، تضرر الناس، بل حينئذ لا تباع إلا بزيادة فيها، فيضر الناس، بخلاف بيعها بالدراهم، فإن من عنده صنف منها، هو محتاج إلى الصنف الآخر، فيحتاج أن يبيعه بالدراهم ليشتري به الصنف الآخر، أو يبيعه بذلك الصنف بلا ربح. وعلى التقديرين يحتاج إلى بيعه حالًّا، بخلاف ما لو أمكنه التأخر، فإنه يمكنه أن يبيعه بفضل، ويحتاج أن يشتري الصنف الآخر بفضل؛ لأن صاحب ذلك الصنف يربي عليه، كما أربى هو على غيره، فيتضرر هذا، ويتضرر هذا من تأخر هذا، ومن تأخر هذا. فكان في التجارة فيها ضررًا عامًّا، فنهي عن بيع بعضها ببعض نَساء، وهذا من ربا النسيئة، وهو أصل الربا، وهو ما ثبت تحريمه بالنص، والإجماع. فربا النسيئة يكون في الصنف الواحد، وفي الصنفين اللذين مقصودهما واحد، كالدراهم مع الدنانير، وكالأصناف الأربعة التي هي قوت الناس. وأما ربا الفضل فإذا باع حنطة بحنطةٍ خير منها، مدا بمدَّين، كان هذا تجارة فيها، ومن سوَّغ التجارة فيها نقدًا، طلبت النفوس التجارة فيها نَساء، كما تقدم في النقدين. فكان يحرم ربا الفضل؛ لأنه ذريعة إلى ربا النساء، كما جاءت هذه العلة منصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين؛ فإني أخاف عليكم الرَّماءَ، والرَّماءُ هو الربا. وإلا فمعلوم أنه مع استواء الصفات، لا يبيع أحد مدّ حنطة، أو تمر مُدًّا بُمدٍّ، يدًا بيد، هذا لا يفعله أحد. وإنما يفعل هذا عند اختلاف الصفات، مثل أن يكون هذا جيدًا، وهذا رديئًا، أو هذا جديدًا وهذا عتيقًا، وإذا اختلفت الصفات، فهي مقصودة. ولما خفيت علة تحريم الربا، أباحه مثل ابن عباس حبر الأمة، ومثل ابن مسعود، فإن الحنطة الجيدة، والتمر الجيد يقال لصاحبه: ألغ صفات مالك الجيدة، لكن لما كان المقصود أنك لا تتجر فيها لجنسها، بل إن بعتها لجنسها فلتكن بلا ربح، ولا إلى أجل، ظهرت الحكمة، فإن التجارة في بيعها لجنسها، تفسد مقصود الأقوات على الناس. اهـ. باختصار من تفسير آيات أشكلت.

وراجع لمزيد فائدة، الفتوى رقم: 72601 .

والله أعلم.