أرشيف المقالات

تجربة محتسبة مع زوجها

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
كثيرةٌ هي تجارب النساء الناجحة في الاحتساب على أزواجهن، ودعوتهم إلى الله تعالى، وإبعادهم عن المنكرات، والتزامهم بالواجبات الشرعية، ومن هذه التجارب المفيدة في عصرنا الحاضر:
تقول إحداهن: "كنت بحمد الله مستقيمة على أمر ربي، وكنت أحلم بزوج صالح، يعينني على طاعة الله، توفي والدي فتولى إخوتي أمري.
تقدم لي شاب يعرفونه ويحبونه؛ ولذا مدحه إخواني لي كثيراً، وحاولوا إقناعي بتحسين صورته، حتى اقتنعت وقبلت به، وبعد عقد قراني أحضروا لي صورته، فضاقت بي الأرض لما رأيته حليق اللحية ، فغضبت على إخواني، وقلت: "أنتم تعلمون أن شرطي في زوجي أن يكون صالحاً"، فقالوا: "إن في الرجل مزايا كثيرة، تغطي عيوبه، ولن نرده من أجل لحيته بعد أن عقد قرانك"، ورفضوا محاولاتي رفضاً باتاً.
فاستعنت بالله تعالى، وبدأت أهيئ نفسي للتكيف مع ذلك الزوج الذي لم يكن يوماً حلم حياتي، حاولت إقناع نفسي بأنه أصبح زوجي الآن، وأن بإمكاني التأثير عليه، وتغيير ما أرى من منكر عليه إذا تمكنت من كسب قلبه..
ولن أكسب قلبه إلا بشيء واحد بعد عون الله تعالى وهو حسن خلقي، وطيب عشرتي، وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» [1] متفق عليه.
فقلت: "لو لم يأتني من ذلك إلا هدايته ليكون في ميزان حسناتي لكفى!"
وحينما تزوجت جعلت سلاحي القوي هو الحب ، فكنت أظهر له دائماً حبي الصادق، وشوقي الدائم، ولا أفتر عن إظهار مشاعري، ولو كنت غاضبة منه، بل حينما أغضب أحاول أن أكتم غيظي، وأبتسم في وجهه، حتى إذا قام من عندي جلست أبكي دون أن يعلم، وكنت أحرص وبشدة على طاعته في كل شيء ولو كان شيئاً أكرهه.
وإذا أردت نصحه وضعت يدي على وجهه، وأنا أقول: "إن وجهك جميل، ولكني على ثقة بأنه سيصبح في عيني أجمل لو زينته باللحية السوداء التي هي سمة الرجولة في نظري".
كنت أذكِّره بحُكمِ حلَقها، وأحاول أن أضع في مكان جلوسه فتاوى عن حكمها، ولا أطلب منه قراءتها، فأجده من باب الاستطلاع يأخذها ويقرؤها..
وبعد خمسة أشهر من زواجي اكتشفت أنه يدخن..
وأن إخوتي كانوا على علم بذلك قبل زواجي فاستعنت بالله تعالى، وقلت: "لا بد من التدرج معه، سأحاول معه ليطلق لحيته أولاً"، ثم بعد مدة منَّ الله تعالى عليه بالهداية، فقرر عدم حلقها، وثبت على ذلك بفضل الله تعالى، ثم بدأت أقول له بعد ذلك: "انظر إلى شكلك في المرآة..
ألا يبدو غريباً أن تجد رجلاً ملتحياً يبدو على وجهه سمات الصلاح ويدخن؟!" ثم مع كثرة ما أنفره منه وأقول له: "والله لا يليق بك وأنت الرجل الصالح المحافظ على صلاتك، وفيك كذا وفيك كذا وكذا..
أن تنجس فمك الطاهر بهذا الخبيث، أو أن تسمع الأغاني أو تفعل كذا وكذا.." وكنت دائماً أكثر الدعـاء له، وبالذات في آخر الليل: بأن يصرف الله قلبه عن التدخين ، وعن جميع المحرمات، وقد استجاب الله دعائي، فأوقع بغضه في قلبه، فعزم على تركه، واستمر يجاهد نفسه حتى تركه تماماً، بل هو الآن أحد المؤذنين في الرياض [2].
وفي هذه القصة والتجربة الناجحة لهذه المرأة المسلمة المحتسبة مجموعة من الدروس والفوائد التي تفيد في كيفية الاحتساب على الزوج الذي يقع في بعض المنكرات، أو يقصر في بعض الواجبات، نستلهمها لتكون لكِ -أختاه- نبراساً ونوراً تضيء لكِ الطريق، حتى تحتسبي على زوجك -بإذن الله- على علم وبصرة، فمن هذا الفوائد والدروس:
- أن استقامة المرأة في نفسها على شرع الله هو بداية التأثير: وأول خطوة في نجاحها في نصح الزوج، وإلا كيف تستطيع أن تغير في سلوك زوجها وهي نفسها فاقدة السلوك السوي، وفاقد الشيء لا يعطيه، وكما قال الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم؟
تصف الدواء لذي السقام وذي الظنا *** كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا *** أبداً وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويهتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم [3].
ولذا نجد أن هذه المرأة كما قالت أنها "كانت -بحمد الله- مستقيمة على أمر ربها" فلما أصلحت نفسها أولاً استطاعت التأثير في سلوك زوجها، وإلا لما استطاعت التأثير؛ وهكذا يجب على كل امرأة تريد الاحتساب على زوجها ودعوته عليها أن تغير ما في نفسها أولاً حتى يغير الله من شأن زوجها، والله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
- ومن الدروس المستفادة من قصة هذه المرأة أيضاً: حرصها على الزواج بزوج صالح، حيث قالت: "وكنت أحلم بزوج صالح، يعينني على طاعة الله" وهكذا ينبغي أن يكون هدف المرأة المسلمة، وهو الحرص على الزوج الصالح في دينه وخلقه، ولا يكون هدفها ونظرها إلى المال والجاه والجمال وغير ذلك من مُتَع الدنيا الزائفة.
- ومن الدروس المستفادة من هذه القصة: علو همة هذه المرأة، حيث إنها لما اكتشفت بعد الزواج أن زوجها يقع في بعض المنكرات لم تستسلم ولم تنهزم، وإنما عزمت على الاحتساب والتأثير عليه، حيث قالت: "فاستعنت -بالله تعالى-، وبدأت أهيئ نفسي للتكيف مع ذلك الزوج الذي لم يكن يوماً حلم حياتي، حاولت إقناع نفسي بأنه أصبح زوجي الآن، وأن بإمكاني التأثير عليه، وتغيير ما أرى من منكر عليه"فلم تقعد حائرة، تندب حظها بهذا الزوج الذي يحلق لحيته، ويدخن، لا، بل انطلقت مستعينة بالله في تغيره إلى الأحسن، وهكذا فلتكن كل امرأة ابتليت بزوج من هذا النوع أن تبذل الأسباب في إصلاحه مستعينة بالله ولا تعجز ولا تستسلم.
- ومن الدروس: أن كسب الزوج والتأثير عليه لا يكون إلا بالحب الصادق من الزوجة ، والخلق العالي، والتعامل الحسن معه، فهذه المرأة استطاعت أن تكسب زوجها وتؤثر عليه وتغيير من سلوكه لما استخدمت معه الرفق والإحسان وحسن المعاملة، فاسمعيها تقول: "وعلمت أن بإمكاني التأثير عليه، وتغيير ما أرى من منكر عليه إذا تمكنت من كسب قلبه..
ولن أكسب قلبه إلا بشيء واحد -بعد عون الله تعالى- وهو حسن خلقي، وطيب معشري".
- ومن الدروس المهمة: أن على المرأة أن تستشعر الفضل العظيم في أن يهتدي زوجها على يديها، فإن هذا من أقوى العوامل التي تدفعها على بذل الجهد والاستمرار وعدم الانقطاع أو اليأس، ولهذا كان هذا هو الدافع الكبير لهذه المرأة، في الصبر على زوجها وبذلها الأسباب في نصحها، فهي تقول: "وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» [4] متفق عليه، فقلت: لو لم يأتني من ذلك إلا هدايته ليكون في ميزان حسناتي لكفى!" فهذا هو السر وراء نجاحها في تعديل سلوك زوجها.
- ومن الدروس المهمة أيضاً: استخدام الأساليب الجذابة عند نصح الزوج والإنكار عليه، وتجنب الغلظة والشدة حتى لا يزيد الزوج عتواً ونفوراً.
وانظري حكمة هذه المرأة وحسن تصرفها مع زوجها المدخن والحليق، حيث تقول: وإذا أردت نصحه وضعت يدي على وجهه، وأنا أقول: "إن وجهك جميل، ولكني على ثقة بأنه سيصبح في عيني أجمل لو زينته باللحية السوداء التي هي سمة الرجولة في نظري" فلله درها من حكيمة ومحسنة مع زوجها!
- ومن الدروس المهمة: أهمية تبين المرأة لزوجها حكم ما يقع فيه من مخالفات، وإقناعه بضرر وخطر الوقوع في تلك المخالفات؛ لعله يقلع ويرجع عما هو فيه، وأن تنقل له كلام العلماء في ذلك، وأن تحضر له الأشرطة والنشرات التي تبين حكم هذه المنكرات، وتكرر له ذلك برفق وحكمة، كما فعلت هذه المرأة، حيث تقول عن نفسها: "كنت أذكره بحكم حلقها، وأحاول أن أضع في مكان جلوسه فتاوى عن حكمها، ولا أطلب منه قراءتها، فأجده من باب الاستطلاع يأخذها ويقرؤها".
- ومن الدروس: التدرج مع الزوج، فيبدأ معه بترك الأشد وهكذا، وهكذا فعلت هذه المرأة "فاستعنت بالله تعالى، وقلت: لا بد من التدرج معه، سأحاول معه ليطلق لحيته أولاً، ثم بعد مدة منّ الله تعالى عليه بالهداية، فقرر عدم حلقها، وثبت على ذلك بفضل الله تعالى، ثم بدأت أقول له بعد ذلك: انظر إلى شكلك في المرآة..
ألا يبدو غريباً أن تجد رجلاً ملتحياً يبدو على وجهه سمات الصلاح ويدخن؟!".
- ومن الدروس: أن على الزوجة الاستعانة بالدعاء لهذا الزوج بالهداية، فالدعاء من أقوى الأسباب وأعظمها، إن لم يكن سر الأسرار على الإطلاق، فعليكِ بمفرِّج الكربات، وقاضي الحاجات، مَنْ قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء، ألِحِّي عليه بالدعاء، سليه بنفس خاشعة، وعين دامعة، واثقة باستجابته، سليه في ليلك ونهارك، وقيامك وقعودك، في سجودك، في عسرك ويسرك، سليه أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك على الخير، سليه أن يستر عليكما بستره الجميل، وأن يجعلكما قرة عين لبعض، سليه أن يزيد إيمان زوجك، ويخسأ شيطانه، وألا يجعل لشياطين الإنس والجن عليه سبيلاً، ثم عليك بالصدقة؛ فإنها مدعاة لمرضاة الله وستره وبركته ورحمته الواسعة.
وهذا ما فعلته هذه المرأة حيث قالت: "وكنت دائماً أكثر الدعـاء له، وبالذات في آخر الليل: بأن يصرف الله قلبه عن التدخين، وعن جميع المحرمات، وقد استجاب الله دعائي فأوقع بغضه في قلبه، فعزم على تركه، واستمر يجاهد نفسه حتى تركه تماماً، بل هو الآن أحد المؤذنين في الرياض".
وهكذا ينبغي على كل زوجة أن تستعين أولًا بالله عز وجل في أداء مهمتها هذه العظيمة، وأن تتخير الأوقات المناسبة فتدعو الله عز وجل أن يهدي لها زوجها، ويقذف في قلبه الحق والنور المبين، يقول ابن القيم رحمة الله تعالى: "شهدت شيخ الإسلام -قدس الله روحه- إذا أعيته المسائل، واستصعبت عليه، فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللّجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته" [5].
فلا تدعي أختي المسلمة لليأس منكِ مكاناً، إن كان أخوكِ أو أبوكِ أو زوجك أو ابنك أو جدك على غير طاعة الله، أو واقعاً في بعض المنكرات، بل ارفعي الستـار عن ناظريكِ، وانظري إلى ما وراء ذاك الأفـق، اتركي التفكير فيما هو عليه..
وفكّـري فيما يجب عليـكِ فعله معه، وكيف تسقي بذرة الخير بداخله، لعل الله أن يهديه للحق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
[1] - أخرجه البخاري في (3/1357- 3498) ومسلم في فضائل الصحابة ، باب من فضائل على بن أبى طالب -رضي الله عنه- (7/121- 6376).
[2] - المصدر: موقع نفحات الإيمان : http://nf7ateleman.net/vb/showthread.php?t=8256).
[3] - الأبيات منسوبة في جواهر الأدب (2/26) لأبي الأسود الدؤلي.
[4] - أخرجه البخاري في (3/1357- 3498) ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل على بن أبى طالب -رضي الله عنه- (7/121- 6376).
[5] - إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/187).

صادق بن محمد الهادي

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣