عنوان الفتوى : من كان من أهل جدة وسافر ثم رجع قاصدًا أهله والعمرة
زوجي يعمل في جدة، ولدينا منزل هناك، وقد سافرت إلى الأردن لاستكمال دراستي، وأعود إلى منزلي في جدة في الإجازات، وإجازتي القادمة ستكون لمدة شهر تقريبًا -إن شاء الله-، وأنوي القيام بعمرة فيها، ولست أدري حكم الإحرام في هذه الحالة، فأنا لا أعلم متى ستتيسر العمرة في الإجازة، فهل أعتبر مقيمة في جدة، وأحرم منها كما كنت قبل السفر إلى الأردن، أم أحرم من الأردن في الطائرة، وأبقى على إحرامي، وفي هذا مشقة عليّ، وعلى زوجي؟ وهل أحرم من جدة، وعليّ دم، أم أحرم من أقرب ميقات إلى جدة، أو هناك ميقات معين يجب أن أحرم منه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فيلزمك في الأصل أن تحرمي في الطائرة عند محاذاة الميقات، ما دمت قدمت وأنت ناوية للعمرة، ولو كنت من أهل جدة، بل لو كنت من أهل مكة لزمك أن تحرمي إذا مررت بالميقات، ما دمت ناويةً النسك، قال الحطاب في مواهب الجليل: الْمَكِّيَّ إذَا مَرَّ بِمِيقَاتٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ حَاذَاهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَرَّ مَكِّيٌّ بِأَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَجَاوَزَهُ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ جَاوَزَهُ يُرِيدُ إحْرَامًا بِأَحَدِهِمَا، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ ... اهــ.
وجاء في حاشية العدوي على شرح خليل للخرشي: قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوَ مَرَّ) وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا يُرِيدُ نُسُكًا فَمَرَّ بِمِيقَاتٍ، أَوْ حَاذَاهُ، فَإِنْ تَعَدَّاهُ، فَدَمٌ. اهــ.
ولكن رخص بعض العلماء فيمن قدم جدة لزيارة أهله، وهو من أهلها، أن يحرم منها ما دام قصده في الأصل زيارة أهله، ولو كان ناويًا للعمرة بعد زيارتهم، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- فيمن جاء لجدة لزيارة أهله مع نيته العمرة:
هل نيتك عندما أتيت من حفر الباطن الذهاب إلى أهلك، أو نويت العمرة؟
السائل: الذهاب إلى أهلي، وعمرة.
الشيخ: لكن أصل مجيئك في الإجازة؟
السائل: أصل مجيئي للأهل.
الشيخ: إذا كان أصل المجيء إلى الأهل، فاذهب إلى الأهل بدون إحرام، ومتى أردت أن تحرم، أحرم من جدة، وأما إذا كان ما جئت في هذا الوقت إلا للعمرة، لا بد تأتي الميقات.
السائل: أنا نويت في الأصل الزيارة للأهل بعدها أحرم، وأطلع عمرة.
الشيخ: نعم؛ لأن هناك فرق بين الذي من أهل جدة وأتى يريد مسكنه, هذا نقول: إذا أردت العمرة، أحرم من مكانك من جدة, أو إنسان -مثلاً- من أهل القصيم يريد أن يذهب إلى جدة، وإلى مكة، هذا نقول: لا بد أن تحرم من الميقات، فأنت الآن حسب ما فهمت من كلامك أنك تريد أهلك بالقصد الأول، فنقول: اذهب إلى أهلك، وإذا أردت الإحرام، أحرم من مكانك. اهـ.
وقال أيضا: الذي أهله في جدة، وأنشأ السفر لأجل زيارة أهله، سواء اعتمر أم لم يعتمر، لكن يقول: سأعتمر إذا بقيت أسبوعاً، أو شهراً، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجب عليه أن يحرم من الميقات، كما أن الرجل من أهل مكة لو سافر من القصيم إلى مكة، يريد أهله، وهو يريد أن يحج هذا العام، فإننا لا نلزمه أن يحرم إذا مر بالميقات؛ لأن هذا الرجل ذاهب إلى أهله، وكذلك المسألة الأولى الذي ذهب إلى أهله في جدة. اهـ.
ونحن فهمنا من السؤال أنك مقيمة في جدة في الأصل، وإنما ذهبت للأردن لأجل الدراسة. فإذا كان هذا هو الواقع، فإنك إذا جئت لجدة، وكان أصل قدومك إنما هو لزوجك، وبيتك في جدة، وليس لأجل العمرة، فلا حرج عليك في أن تتجاوزي الميقات في الطائرة بدون إحرام، وتحرمي من منزلك في جدة عندما تريدين العمرة.
وإما إن كان أصل قدومك إنما هو للعمرة، فيلزمك أن تحرمي من الميقات الذي ستمرين به في الطائرة، ولا يجوز لك أن تؤخري الإحرام لجدة، وانظري الفتوى رقم: 136973، والفتوى رقم: 277699.
والله أعلم.