عنوان الفتوى : مسائل في إخراج زكاة الفطر والتحري عن المستحقين ومقدار ما يُعطَون
أسئلة عن زكاة الفطر: عملت بمفردي متطوعًا (لأن البلد التي أنا فيها لا يجمعون زكاة الفطر إلا بالمال)، وسألت متخصصين في العمل الخيري، فأعطوني عناوين الفقراء والمساكين في منطقتنا، وحين أردنا توزيع زكاة الفطر (كانت من الأرز الذي هو غالب قوت أهل البلد) اجتهدت لأعلم كونهم من مستحقي الزكاة أم لا، فكنت أسأل أهل البيت الذي أذهب له عن عدد أفراد الأسرة، وعدد الأشخاص الذين يعملون منهم، وكم الدخل الكليّ الشهري الذي يجنيه العاملون، ثم كم يحتاجون في الواقع شهريًّا من مال، وحيث وجدت نقصًا في الفارق بين ما يدخل عليهم من كسب العاملين الملزمين شرعًا بالنفقة على أسرتهم وبين ما يحتاجونه لمصاريف الحياة كل شهر (مع مراعاة أن يكون الدخل بالفعل قليلًا فيما أعلمه عن تكاليف الحياة في البلد، وأن هذه الأسرة لا مركبة عندها، وبيتهم متواضع جدًّا، بل ربما بعضهم لا بيت له، والإيجار مكلف عليه)، اعتبرتهم مساكين مستحقين لزكاة الفطر، وأعطيتهم مما وصل لي من الناس. 1- هل اجتهادي هذا كان كافيًا في توزيع زكاة الفطر؟ 2- هل يجب عليّ أن أسأل من أراه من مستحقي الزكاة إن كان وصله قبلي زكاة فطر من آخرين، فإن كان وصله فلا أعطيه؟ 3- ما هو الحد الأقصى من المال -لمن يرى جواز إخراج زكاة الفطر بالمال- أو صنوف الطعام الجائزة في زكاة الفطر التي يمكن أن تعطى لمستحق واحد فردًا كان أو عائلة؟ فقد كنت أسأل المستحق عن حاجته ومن يعولهم من الأرز في الشهر، ثم أعطيهم من الأرز بما لا يتجاوز حاجتهم لسنة، وذلك لأن المسكين مثلًا -في علمي- يعطى حاجته من الزكاة لسنة، فكنت أعطي بعضهم 100 كيلو من الأرز أو أكثر أو أقل لأسرة بأكملها. 4- هل إذا أخبرني المستحق مثلًا أنه وصله من المال كزكاة فطر ما يكفيه لسنة، فلا أعطيه من الأرز؟ أو أنه لا اقتران بين المال والطعام في زكاة الفطر، فيعطى من كل واحد منهما ما يسد حاجته لسنة؟ وجزاكم الله تعالى خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لك حرصك على الخير ورغبتك فيه، والمفتى به عندنا أن زكاة الفطر تختص بالفقراء والمساكين، كما رجحناه في الفتوى رقم: 127941، ويكفي غلبة الظن بكون الشخص مستحقًّا للزكاة، ولا يشترط اليقين في ذلك، كما بيناه في الفتوى رقم: 303886، ويجوز لك أن تعطي الفقير الواحد زكاة عدة أشخاص في قول جمهور أهل العلم، وهو المفتى به عندنا في الفتوى رقم: 139845، ولم نجد من أهل العلم من أوجب أن يُسأل من ظُنَّ فيه الفقر هل أخذت الزكاة من شخص آخر أم لا؟ وقد ذكرنا أنه لو دفعها لشخص ظنه فقيرًا فبان غنيًّا أجزأه على الصحيح، كما في الفتوى رقم: 141138، ولا شك في أن ما فعلته مما يحصل به الظن الغالب باستحقاق من دفعت إليه من زكاة الفطر، فلا يلزمك أن تسأل من تعطيه من زكاة الفطر إن كان أخذ من غيرك أو لا.
وأما مقدار ما يُعطاه الفقير من الزكاة: فقد اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من قال يعطى كفاية سنة، ومنهم من قال يعطى كفايته على الدوام -كما هو مذهب الشافعية-، قال النووي -رحمه الله-:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَدْرِ الْمَصْرُوفِ إلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ: يُعْطِيَانِ مَا يَخْرُجُهُمَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْغِنَى، وَهُوَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الكفاية على الدوام، وهذا هو نص للشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الصَّحَابِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ. وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ. وَرَجُلٌ أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ. فَمَا سِوَاهُنَّ من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتًا. رواه مسلم. انتهى.
وإذا علمت هذا؛ فإن كنت أعطيت الفقير كفايته لسنة فقد أحسنت، وإن زدت على ذلك أجزأ عند الشافعية كما بيّنّا، وعلى القول بأنه لا يعطى إلا قدر كفايته لسنة؛ فإنه لو أعطي من القيمة ما يسدّ حاجته لسنة لم يعط من غيرها؛ لأن الجميع زكاة واجبة، هذا حيث قلنا بإجزاء القيمة كما هو قول بعض أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام إن كانت فيه مصلحة للفقير، وراجع لبيان حدّ الفقير والمسكين الذي يعطى من الزكاة الفتوى رقم: 128146.
والله تعالى أعلم.