عنوان الفتوى : من شروط انعقاد النذر
من كثرةِ تفكيري في النذر، وجدتُ نفسي أقولُ بصوتٍ عالٍ العبارةَ التالية: "نذر وظيفة". ولم يكنْ الأمرُ حديثَ نفسٍ، بل كان تلفظًا بصوت ٍ عالٍ، ولم يكنْ في بالي شيء معين أو قربة معينة أفعلها وقت تلفظي بهذه العبارة، ولكن بعد ذلك بدقائق أخذتُ أفكرُ في هذه العبارة، وقلتُ لنفسي: "أنا لم أنوِ أي شيء وقتَ تلفظي بها". ثم طرأ في ذهني وأنا أفكر في هذه العبارة أن أتبرعَ براتبِ أي وظيفة، ولكنني لم أتلفظ بهذه النية. وسؤالي: أنا في أولِ الأمرِ لم أسمِّ النذر، ولم يكن في بالي نية معينة وقت تلفظي به، وما طرأ في ذهني من التصدق براتبِ الوظيفة جاء بعد تلفظي بلفظة النذر. فهل الأمران متلازمان (أي: لفظة النذر السابقة والفكرة اللاحقة)؟ فنفسي تحاول أن تصور لي أنهما متلازمان، لأن الفكرة أو النية جاءت أثناء تفكيري في عبارة النذر التي لم تصاحبها نية في الأصل. فهل بهذا انعقد النذر، وأصبحَ لزامًا عليَّ أن أتبرعَ براتبِ الوظيفة أم أنه لا يلزمني شيء لأنني لم أتلفظ بهذه النية، ولأنني وقتَ تلفظي بلفظة النذر لم يكن في بالي قربة معينة؟ أخشى أن أكون بهذا حرّمتُ على نفسي راتبَ أي وظيفة أعمل بها، وهو أمرٌ عسيرٌ جدًّا يصعب تصوره.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالنذر لا ينعقد إلا بصيغة تفيد الالتزام؛ كقول الشخص: لله عليَّ صدقة ، أو صوم .. إلخ. جاء في المغني لابن قدامة: وصيغة النذر أن يقول: لله عليّ أن أفعل كذا. وإن قال: عليّ نذر كذا. لزمه أيضًا؛ لأنه صرح بلفظ النذر. وإن قال: إن شفاني الله فعليّ صوم شهر. كان نذرًا. انتهى.
وعليه؛ فإن تلفظك بعبارة "نذر وظيفة" لا ينعقد به النذر؛ لأنه ليس كلامًا مشعرًا بالالتزام، بل لا يفيد أي معنى، ومن ثم فلا يترتب عليه شيء.
أضف إلى ذلك أنك صرحت بأنك لم تكن تقصد النذر حينما تلفظت بتلك العبارة، وبالتالي فلا يلزمك أي شيء، وراجع الفتوى رقم: 289378، والفتوى رقم: 279568.
وينبغي أن تتشاغل عن الوسوسة، وتحذر من الاسترسال معها؛ فإنها داء خطير، ولا علاج لها أنفع من الطرح والتجاهل.
والله أعلم.