عنوان الفتوى : تقسيط قضاء الصوم على أكثر من عام
منذ ما يقارب العشرة أعوام لا أقضي ما يجب عليّ قضاؤه من الأيام، وقد نويت من هذا العام البدء في القضاء، وإخراج الكفارة، وعند حسابي وتقديري لعدد أيام الصيام وجدتها تقارب المائة يوم، ولا أدري هل سأتمكن من قضائها قبل رمضان القادم، خاصةً أنني مقبلة على الزواج، فهل تجوز تجزِئة قضاء هذه الأيام على عامين، أو ثلاثة، أم يجب عليّ فعل ذلك قبل رمضان القادم؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أسأتِ بتأخير ما عليك من قضاء رمضان كل هذه السنوات, وعليك الآن ضبط الأيام التي في ذمتك من القضاء, وما زال هناك وقت طويل قبل رمضان القادم يكفي للقضاء، ويمكنك اتخاذ طريقة معينة لا تشق عليك، بحيث لا يجيء شهر رمضان المقبل، إلا وقد برئت ذمتك من جميع القضاء، ولو جربت متابعة الصوم قبل عرسك لوجدتِ الأمر يسيرًا ـ إن شاء الله ـ ففي الأول يكون الصوم عسرًا، ثم مع المتابعة تجدينه يسيرًا.
أما تقسيط القضاء على عامين, أو ثلاثة, فإنه لا يجوز مع القدرة على تعجيل القضاء, فقد نص أهل العلم على منع تأخير القضاء إلى مجيء شهر رمضان الذى بعده، قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن من عليه صوم من رمضان، فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر؛ لما روت عائشة قالت: كان يكون عليّ الصيام من شهر رمضان، فما أقضيه حتى يجيء شعبان ـ متفق عليه. ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر؛ لأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم تؤخره إلى ذلك، ولو أمكنها لأخرته، ولأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة. انتهى.
وإذا حرم تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان، فكيف بمن مرت عليه رمضانات، ولم يقض؟ وجاء في الروض المربع ممزوجًا بالزاد: ويستحب القضاء ـ أي قضاء رمضان ـ فورًا متتابعًا؛ لأن القضاء يحكي الأداء، وسواء أفطر بسبب محرم أو لا، وإن لم يقض على الفور وجب العزم عليه، ولا يجوز تأخير قضائه إلى رمضان آخر من غير عذر؛ لقول عائشة: كان يكون عليّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، لمكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ متفق عليه. فلا يجوز التطوع قبله، ولا يصح، فإن فعل ـ أي أخره بلا عذر ـ حرم عليه؛ وحينئذ فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم ما يجزئ في كفارة، رواه سعيد بإسناد جيد عن ابن عباس، والدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة، وإن كان لعذر، فلا شيء عليه. انتهى.
لكن إذا طرأ عذر شرعي، كمرض, أو نحوه, ولم تتمكني من قضاء جميع ما عليك قبل رمضان القادم, فلا إثم عليك, ولا كفارة, كما ذكرنا في الفتوى رقم: 150387.
ثم إذا كان تأخير القضاء كل هذه السنوات عمدًا, فيجب عليك إخراج كفارة عن كل يوم, وهذه الكفارة مقدارها 750 غرامًا من غالب قوت أهل البلد.
وأما إذا كان تأخير القضاء نسيانًا, أو جهلًا بحرمة التأخير؛ فلا شيء عليك فيه غير القضاء، وانظري الفتوى رقم: 185691.
ولا تتكرر الفدية بتكرر السنين، كما هو الراجح المفتى به عندنا، قال ابن قدامة في المغني: فإن أخره لغير عذرٍ حتى أدركه رمضانات، أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء؛ لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب. اهـ.
فإن وجدت مشقة بالغة في الفراغ من القضاء قبل رمضان القادم، فمذهب الحنفية جواز التأخير، جاء في الموسوعة الفقهية: وذهب الحنفية إلى أنه يجوز تأخير القضاء مطلقًا، ولا إثم عليه، وإن هل عليه رمضان آخر، لكن المستحب عندهم المتابعة مسارعة إلى إسقاط الواجب. انتهى.
وقد بينا في الفتوى رقم: 203266، جواز الأخذ بالقول المرجوح للحاجة والمشقة.
والله أعلم.