عنوان الفتوى : هل الموت بداء الكبد من أمارات حسن الخاتمة؟
أبي قد توفي منذ فترة بسبب إصابته بتليف الكبد، وفي اليوم الذي توفاه الله فيه -بالتحديد عند الساعة الثانية عشر منتصف الليل- قامت أمي بتشغيل القرآن بالقرب منه، ولكنه طلب منها أن تطفئه، وأنه لا يريد أن يسمع، فتعجبت أمي، وقالت له: لماذا؟ ألا يريد أحد سماع القرآن؟ فرد عليها، وقال: إن القرآن كلام الله، وهو يحبه، ولكنه لا يحب هؤلاء الشيوخ؛ لأن فيهم رياء، وغير صادقين، ثم بعد قليل أشاح بيديه في الهواء بغضب، وقال بضيق: "أف أف الشيطان عايز يخسرنا الدنيا والآخرة"، فاقتربت منه، وقالت في أذنه اليمنى: "اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون"، وطلبت منه أن يكررها ثلاث مرات، ففعل، ثم بعدها ابتسم، وتيمم، وصلى العشاء، وظل يدعو، ويستغفر، وينطق الشهادة كثيرًا، وظل يقول: "رحمة الله وسعت السماء والأرض، إنه أحن على الإنسان من الأم بولدها"، ثم أُذن للفجر، فصلى السنة والفرض، وبعدها نطق الشهادة أكثر من مرة، ثم تعب بعدها جدًّا، ونقل للعناية المركزة، وتوفي هناك حيث كان في المستشفى شهرًا كاملًا عانى فيه، وأجرى عملية جراحية في بطنه، حيث فتحت فتحتين: فتحة للبول، والأخرى في البطن، وكان مريضًا بالكبد، فكأنه توفي مبطونًا. سؤالي: هل هذه حسن خاتمة؟ ولماذا قال: "الشيطان يريد أن يجعل الإنسان يخسر الدنيا والآخرة"؟ وماذا كان يقول له الشيطان؟ وهل هذا شيء سيئ لأبي؟ وهل عدم رغبته في الاستماع للقرآن لهذا السبب الذي قاله شيء جيد له أم لا؟ رغم كل شيء جيد قام به بعد ذلك من استغفار، وغيره.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته عن أبيك أمارات دالة على الخير، وحسن الخاتمة -نسأل الله أن يغفر له، ويرحمه-.
والمرض المذكور من أمراض البطن، وأدوائه، وقد ورد في حديث الصحيحين: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.
والمبطون كما قال النووي في شرح مسلم هو: صاحب داء البطن -وهو الإسهال-. قال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء، وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي تشتكي بطنه، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا. انتهى.
وقال القاري في مرقاة المفاتيح: والمبطون من إسهال، أو استسقاء، أو وجع بطن.
وقال المناوي في فيض القدير: (والمبطون) الذي يموت بداء بطنه.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: والمبطون هو الذي أصيب بداء البطن، بمعنى أنه يكون فيه إسهال، أو وجع في بطنه، ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت، وما أشبه ذلك، فكل أدواء البطن التي تكون سببًا للموت، فإنها داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: المبطون -لا سيما التي يكون الموت فيها محققًا عاجلًا-. انتهى.
فموت والدك بسبب هذا الداء الذي في بطنه، واستحضاره للشهادة في آخر حياته؛ من أمارات حسن خاتمته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة. رواه الحاكم بسند صحيح، وصححه النووي.
وأما عدم حبه لسماع بعض المقرئين لما يدعيه من كونهم أصحاب رياء: فهذا الاتهام خطأ منه -نسأل الله أن يتجاوز عنه-.
وقوله: "إن الشيطان يريد أن يفسد على الإنسان دنياه وأخراه" كلام صحيح، وإدراكه لذلك دال على حياة قلبه بالإيمان -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا-.
وننبهك إلى ما روى أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، من حديث مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من برّ أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
فالبرّ لا ينقطع بالموت؛ فاحرصي -وفقنا الله وإياك لكل خير- على البرّ بأبيك، ولو بعد موته، وفق ما ورد في الحديث.
والله أعلم.