عنوان الفتوى : عقيدة عبد القاهر البغدادي ومنهجه في كتابه الفرق بين الفرق
أرغب في
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عقد الدكتور محمد التميمي في كتابه (مقدمات في علم مقالات الفرق) مطلبا عن أشهر الكتب المؤلفة في علم المقالات ومناهج مؤلفيها. وذكر فيه كتاب (الفرق بين الفرق) لعبد القاهر البغدادي "ت 429 هـ" وقال عن عقيدته: كان أشعري المذهب، ويدل على ذلك عدة أمور منها:
1ـ اتفاق المترجمين له على نسبته إلى هذا المذهب.
2ـ عرضه لعقيدة الأشعرية في كتابه الفرق بين الفرق على أنها عقيدة أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية، ولم يصنف الأشعرية على أنها إحدى الطوائف بل جعلهم هم أهل الحق.
3ـ كتابه "أصول الدين" أكبر دليل على انتسابه إلى هذا المذهب، فقد ألفه على طريقة المتكلمين في تقسيمه لأبوابه، وتقريره لمسائل الاعتقاد على منهج الأشاعرة في مختلف الأبواب. اهـ.
وأما منهج البغدادي في كتابه هذا، فقال عنه الدكتور محمد:
1ـ اعتمد في تقسيم الفرق الإسلامية على حديث الافتراق، وسعى في تحديد الفرق طبقاً للعدد المذكور في الحديث.
2ـ كانت طريقته في عرض آراء الفرق بجعل أصحاب الآراء وزعماء الفرق أصولاً، ثم إيراد آراء كل منهم في كل مسألة.
3ـ تميز كتاب الفرق بين الفرق بحسن التنظيم وجودة الترتيب لآراء الفرق والتقسيمات المتعلقة بها.
4ـ قدم قبل الخوض في آراء الفرق بمقدمات، ضمنها ذكر الخلافات الواقعة في أول الأمة، وكيف وقع الافتراق، والإشارة إلى فرق الأمة إجمالاً، وتوسع في ذلك فكانت تلك المقدمات كالخلاصة لبقية كتابه.
5ـ اقتصر البغدادي على عرض آراء الفرق الإسلامية فقط.
6ـ وافق البغدادي في عده لأصول الفرق أبا الحسن الأشعري، حيث جعل كل منهما أصول الفرق عشرة، وعد بعض الفرق خارجة عن الإسلام وإن كانت تنتسب إليه، كغلاة الشيعة.
7ـ عرض البغدادي الأشعرية وآراءهم عرضاً يفيد أنها العقيدة الصحيحة التي عليها جمهور أهل السنة والجماعة ـ في نظره ـ وهم معظم المسلمين كما زعم، ولم يدخلها ضمن تصنيفه للفرق الإسلامية.
8ـ كان عرض البغدادي للفرق أكثر شمولاً من عرض غيره، حيث يعطي القارئ تصوراً عن الفرقة من جوانب متعددة، سواء كانت تاريخية أو فقهية أو غيرها؛ إضافة إلى الآراء العقدية لها.
9ـ اتبع البغدادي في كتابه منهج التقرير والنقد، لا مجرد النقل الموضوعي لآراء الفرق، فكان يعرض آراء الفرق ومقولاتها، ثم يتبع ذلك بمناقشتها وبيان بطلانها وتهافتها من وجهة نظره، وكانت مناقشاته وتعقيباته تتسم بالشدة، والقسوة وتصل إلى حد السب والسخرية والشماتة والتهكم بالرأي وصاحبه، وذكر الإلزامات على الرأي، ومقارنة بعض آراء الفرقة بالمذاهب والأديان المنحرفة، بل يبلغ نقده حد الاتهام بالأعراض، بل التكفير والإخراج من ملة الإسلام، وهذا في مواضع متعددة من كتابه، وخاصة في حديثه عن المعتزلة. اهـ.
والله أعلم.