عنوان الفتوى : الرشاوى التي يحرم دفعها، وحكم العمل مع من يدفعون الرشوة

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

أنا شاب متزوج، ولدي طفلان (أربع سنوات، وسنتان) كان لدي عملي الخاص في بلدي، ولكن عندما وجدت أنني لن أستطيع أن ألبي احتياجات أسرتي الصغيرة، إلا عن طريق دفع الرشاوى للحصول على المشاريع، قررت الاغتراب، فاستخرت، ثم سافرت إلى دولة عربية، يوجد فيها والدي ووالدتي، وعملت كموظف براتب مجزٍ، والحمد لله. بعد أربعة أشهر تقريباً، بدأت أشعر بدوار وغثيان، وعدم تركيز، حيث تزامن ذلك مع مرض ابني، الذي شخصه الأطباء على أنه (حساسية الربو) وشخصوا حالتي بحساسية الجيوب الأنفية، واتفق الأطباء على أن حالتي، وحالة ابني تزيدها حِدة الأجواء الملوثة في البلد الذي اغتربت فيه، والحمد لله حالة كلانا تسوء تارة، وتتحسن تارة باستخدام الأدوية، علما بأن كلانا يكون في حالة أحسن في بلدي الأصلي؛ لأن التلوث أقل. زوجتي كانت تعمل مع والدها في بلدي، وقد حزن أبوها حزناً شديداً عندما سافرت معي، وتحدث معي مرارا في أن أشاركهم في العمل، ونتحد سويا، إذ أننا أصبحنا عائلة واحدة، وكنت دائماً أتعلل بأسباب وهمية، وأسرُ رفضي الذي هو بسبب أنهم لا مانع لديهم من الرشوة حتى في المناقصات، والتي أرى فيها تعديا على حقوق الغير وفرصه. بعد فترة زادت حالة زوجتي سوءا، إذ أصبحت متوترة من الجلوس وحيدة في المنزل، ودائما تصارحني بشعورها بالوحشة، وأن أهلها في البلاد يفعلون كذا وكذا، وأن حياة الغربة ما هي إلا مال فقط، وأكل وشرب، لا أخ يواسيك، ولا أم تحنو وتساعد في رعاية الأطفال (مع العلم أن والدتي تبدو غير مهتمة بفقدان أبنائي لحنان الجدة)، وأحياناً عند أبسط مشاجرة بيننا تصاب بانهيار عصبي، وتشعرني كأني أهينها؛ لأنها بعيدة عن أهلها، ولا تستطيع السفر إلا بإذني. بعد ذلك أصبحت أشعر بتأنيب الضمير، وبأن كل العائلة ليست مرتاحة، حتى ابني الأكبر لا يجد من يلعب معه بعد أن يأتي من المدرسة (علما بأننا كنا في بلادنا نعيش أجواء عائلية، واجتماعية مثالية مع أبناء الخالات، والأعمام). قبل شهر زارنا والد زوجتي، واشتكى لي بصورة غير مباشرة من ضغط العمل عندهم، وأنه هو وأخو زوجتي وحيدان، ولا يجدان من يساندهما، فقلت له: أنا سأساعدكما، ففرح فرحاً شديدا، وزوجتي أيضاً حالتها النفسية تغيرت بصورة كلية، لا أدري لماذا قلت له ذلك، والآن أشعر بأني في مأزق، وحيرة بين راحتي، وراحة أولادي في بلادي، وخوفي من أي مال قد يكون حراما، وبين عملي هنا، وإحساسي بعدم قدرتي وقدرتهم على التحمل. أصبحت أستخير بصورة شبه يومية، وناقشت أخا زوجتي، وقلت له: أنا أعلم أن أغلب الناس في بلادي الآن يدفعون الرشاوى ليتهربوا من المكوس المفروضة عليهم من الدولة، والتي تصرف في أشياء غريبة، ولكني لا أستطيع أن أتحمل الرشاوى في العطاءات، وبدون أن أكون مضطراً لذلك، عندها قال لي أنت مهندس، وستكون مسؤولا عن الجانب الهندسي، وليست لك علاقة بالمبيعات (مع العلم أني شريك بنسبة في الأرباح). سؤالي: هل يجوز أن أعمل معهم، إذا أقنعتهم بعدم دفع الرشاوى، عندما لا يكونون مضطرين لذلك، خصوصا في المناقصات، وإذا لم يقتنعوا هل يمكن أن أتنازل عن نصيبي فيما كُسب عن طريق عطاءات برشاوى، وأتبرع بها لأي جهة؟ عذراً على الإطالة. وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : دقيقتان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله سبحانه أن يصلح حالك، وحال أسرتك، وأن يزيدك هدى وبصيرة، وثباتا على الحق.
وننصحك بالبحث في بلدك عن عمل مباح، ولن تعدم أن تجد عملا مباحا بإذن الله عز وجل.
وبخصوص الرشاوى التي يحرم دفعها، فهي ما كانت لإبطال حق، أو إحقاق باطل. أما إن كانت من أجل التوصل إلى حق مشروع، لا يتوصل إليه إلا بها، فإنما تحرم على آخذها دون دافعها.

 فإن كان أهل زوجتك يدفعون الرشوة على وجهها المحرم، فعليك بنصحهم، وترهيبهم من لعنة الرشوة وتبيين عظم إثمها، فإن لم يستجيبوا لك، فنرجو ألا يكون عليك إثم في العمل معهم، طالما أنه لا يتعلق بالرشاوى، فتكتفي بعملك مهندسا دون مشاركة لهم، وإن كنا ننصحك بالبعد عن هذا العمل إن تيسر لك ذلك، حتى لا يزول قبح الرشوة من قلبك.

وانظر الفتوى رقم: 168815، ورقم: 134388

والله أعلم.