عنوان الفتوى : فضل وثواب الحج عن الوالدين والميت
توفي والدي وأنوي أن أحج عنه ـ إن شاء الله ـ فهل يصله ثواب هذا الحج وكأنه هو من حج؟ وهل إذا تم الحج وصح يصله محو الذنوب والخطايا حتى يبلغ مرتبة: كما ولدته أمه ـ أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أنه ميت؟. وبارك الله فيكم، أفتوني بدليل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر ـ والله أعلم ـ من الأدلة والأحاديث الواردة في مشروعية الحج عن الأبوين الميتين أنه يحصل لهما به من الثواب ما يحصل لمن باشر الحج بنفسه من تكفير الذنوب إذا كان الولد الذي حج عنهما قد حج عن نفسه، وقام بالحج سالما من الرفث والفسوق.. فلم تفرق الأحاديث الواردة في الترغيب في الحج عن النفس أو عن الأبوين بين أجر الحج عن النفس أو عن الأبوين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من حج ولم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم للخثعمية التي مات أبوها ولم يحج: حجي عن أبيك. رواه البخاري ومسلم.
وقَالَ صلى الله عليه وسلم لأبي رزين: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ. رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني.
وشبّه صلى اللَّه عليه وسلم قضاء الحجّ عن الميت بقضاء الدين عنه، فقال: أَرَأَيْتَ لَوَ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ. رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في الصحيحة.
ولم يفرق العلماء بين ثواب الحاج عن الميت وغيره، ولم يذكروا أنه دون ثواب من حج عن نفسه، وعلى ذلك فإنه إذا جعل الحي ثواب الحج للميت كاملا انتقل إليه كاملا، وقال ابن قدامة في المغني: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجُّ الْإِنْسَانُ عَنْ أَبَوَيْهِ، إذَا كَانَا مَيِّتَيْنِ أَوْ عَاجِزَيْنِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا رَزِينٍ، فَقَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ ـ وَسَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِيهَا، مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ؟ فَقَالَ: حُجِّي عَنْ أَبِيك ـ وَيُسْتَحَبُّ الْبِدَايَةُ بِالْحَجِّ عَنْ الْأُمِّ، إنْ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ الْأُمَّ مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّك، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك ـ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْبُخَارِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ وَاجِبًا عَلَى الْأَبِ دُونَهَا، بَدَأَ بِهِ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّطَوُّعِ، وَرَوَى زَيْدُ بْن أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ يُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا ـ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا، بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ ـ وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ، فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ ـ رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
والحديثان الأخيران اللذان وردا في كلام ابن قدامة ضعيفان عند أهل الحديث، كما قال الألباني في السلسلة الضعيفة، ولكن يستأنس بهما، لأنهما يدخلان تحت أصل صحيح.
وهذه النصوص بمجملها تدل على أن الولد إذا حج عن والده حجا مبرورا كان للوالد أجر هذا الحج، وأنه يكتب له ثواب من باشر الحج نيابة عنه، وراجع الفتوى رقم: 121498.
والله أعلم.