(46) أخطر الأفكار السامَّة عند مَداخلة وجاميَّة اليوم، ومُقدِّسي الحُكَّام - قضايا الحاكمية تأصيل وتوثيق - أبو فهر المسلم
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
إن أخطر مايَعتنق هؤلاء؛ ليس مجرد الدعوة إلى طاعة ولي الأمر، كلَّا؛ إنها (تألِيه وتقديس) وليّ الأمر، شاء مَن شاء وأبَى مَن أبَى، فهُو فقط؛ الآمِرُ والنَّاهي، والحَاكمُ والقاضِي، فلا رادَّ لحُكمِه، ولا مُعقِّب لأمْره!إنها صورة مُستَنسخَة، من الكَهنُوت الكَنسِي، عند النصارى، لكن بصبغة إسلامية، ذلِكُم الكَهنُوت؛ الذي يَمنح الكاهَن ما شاء من سُلطَات مُطلقَة، فيَعفُو عمَّن يشاء، ويُؤاخِذ من يشاء، يَبطش بمن يريد، ويَحكم بالذي يَهواه.
فباسْمِ وليّ الأمر تُراق دماءُ المسلمين، وباسمِه تُستَحلّ الحُرماتُ والأعراض، وباسمه، يُحمل السلاحُ على المسلم؛ حرامِ الدم والنفس، وباسمه يُوالَى المشركون، ويُعادَى المؤمنون المُوحِّدون، وباسمه، تُستباح الحدود، والأموال، والمُمتلكات، وباسمه، تُقاد فتنةٌ بين المؤمنين هنا، وتَشتعل أخرى هناك، وباسمه يُسجَن العالِم، ويُطلق العاهر، وباسمه تُطمس الهُوية المُسلمة، لترتفع راياتُ الكفر البَواح، وباسمه تُفتح بيوتُ الدعارة والمُجون، وتُغلق المساجدُ ودُور الطهارة ، وباسمه يُحكم بغير الشرع، وتَطغى حاكميةُ المشركين على المسلمين، وباسمه تُخسَف رايةُ الجهاد ، ويُقتلُ المجاهدون، لترتفع رايةُ الصليب، وباسْمه تُقسَّم بلادُ المسلمين، وتُختَطف، وتُهيَّأ للكافرين والمشركين، وباسْمِه...، وباسْمِه...، وباسْمِه.
فماذا بَقي لله إذًا!
إذا كان نبيُّنا عليه السلام، قد نَهى عن إطرائه، وقال: «لا تُطْروني ، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريم َ ، فإنما أنا عبدُ» (صحيح الجامع: 7363)، ونَهى أن يُقال، «ما شاءَ اللَّهُ وشئتَ» (صحيح؛ النسائي: 3782).
فكيف بمن نَصَّبوا مُجرمًا مِن بينهم، ليس له من مُؤهلات وراثة الأنبياء، على أقوامهم؛ إلَّا أنه يدَّعي الإسلام، ويُحسب على المسلمين؟!
كيف أصبح اليومَ إلهًا يُعبد من دون الله، لمجرد أنه وَلِيَ أمرَ الناس؟!
كيف صارت مشيئتُه سابقةً، وإرادتُه متقدمةً؛ على مشيئة الله ومُراده؟!
ويُقدَّم حُكمُه وتشريعُه، على حُكم الله ورسولِه ودينِه؟!
أفيضيعُ شرعُ الله العظيم، ودِينُه القَويم، وحُكمُه المستقيم؛ لأجْلِ نفسٍ مَنفوسة، ورُوحٍ مَزهوقة، وآدميٍّ أصلُه من ماءٍ مهين؟!
قد مَلك رِقابَ الناس، وتسلَّط على حُكمهم، باسم الإسلام والمسلمين، واللهِ ما كان هكذا؛ حُكمُ رسولِ الله، ولا حُكمُ خُلفائِه، وأصحابِه.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18].
اللهم إنِّي أبرأ إليك من هؤلاء، ومَن ناصرَهم وعَاونهم، كائنًا مَن كان.