عنوان الفتوى : حكم الوقوع بنواقض الإسلام جهلا، وأدلة قبول توبة المرتد

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم من فعل ناقضًا من نواقض الإسلام وهو لا يعلم أن ما فعله يعتبر ناقضًا للإسلام ومرت أشهر وهو لا يعرف ذلك؟ علمًا أنه شاب ملتزم ويصلي معظم الصلوات في وقتها. فهل صلاته تكفيه للعودة إلى الإسلام لأن الصلاة متضمنة على الشهادتين؟ وهل صلواته وعباداته في هذه الفترة الطويلة صحيحة؟ علمًا أنه بعد الفترة الطويلة قرأ عن نواقض الإسلام وعرف أنه قد فعل ناقضًا من نواقض الإسلام، وأصبح موسوسًا وخائفًا ونادمًا، وتغيرت حياته ولم يعد يكلم أحدًا، وأصبح ينطق الشهادتين عشرات المرات في اليوم حتى إنه ينطق الشهادتين قبل أن يتوضأ، خوفًا من أن يكون ما زال مرتدًّا -والعياذ بالله-. فما نصيحتكم له؟ وما رأيكم في من يقول: إن المرتد يقتل مرتدًّا وليس له توبة؟ وجزاكم الله خيرًا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن هذا الشخص معذور بالجهل؛ فإن حكم الشرع لا يلزم المكلف إلا بعد البلاغ، ولكنه يلزمه تعلم التوحيد ونواقضه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: من دعا غير الله وحجّ إلى غير الله؛ هو أيضًا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالمًا بأن هذا شرك محرّم، كما أن كثيرًا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم، وعندهم أصنام لهم صغار من لبد وغيره، وهم يتقرّبون إليها ويعظّمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرّم في دين الإسلام، ويتقرّبون إلى النار أيضًا، ولا يعلمون أن ذلك محرّم؛ فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضالّ وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحقّ العقوبة حتى تقوم عليه الحجة؛ قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22]. انتهى.

وننصح هذا الشخص بالإعراض عن الوساوس وترك التفكير فيها، وأن يعتبر نفسه مسلمًا، ويعتبر عباداته صحيحة.

وأما القول بعدم قبول توبة المرتد: فليس صحيحًا؛ فانه يدل لقبولها قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 86 ـ 89}. وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية أنها نزلت فيمن ارتد ثم رجع للإيمان فقبل الله توبته وغفر له. قال ابن كثير في التفسير: قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع البصري، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا لي رسول الله: هل لي من توبة؟ فنزل قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران: 86 ـ 89}. فأرسل إليه قومه فأسلم. وهكذا رواه النسائي، والحاكم، وابن حبان، من طريق داود بن أبي هند به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال عبد الرزاق: أنبأنا جعفر بن سليمان حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم كفر الحارث، فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك والله ما علمت لصدوق, وإن رسول الله لأصدق منك, وإن الله لأصدق الثلاثة. قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه... اهـ.
والله أعلم.