عنوان الفتوى : مسائل في قضاء المرأة ما عليها من رمضانات عديدة ونسيت عددها
لم أقضِ منذ سنوات الأيام التي أفطرتها من رمضان, ونسيت ما عليّ من الأيام, وأيضًا علي صلوات كثيرة لم أقضها, فهل إذا صمت صيام داود إلى ما شاء الله بنية تكفير ما فعلته وقضاء ما أحسبه قد قضي جاز ذلك؟ وما هي كيفية قضاء الصلوات التي لم أصلها؟ وهل أصلي الفجر ثم أصلي ركعتين مثًلا بعده وهكذا كنية القضاء؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي منَّ عليكِ بالتوبة والهداية، ونسأل الله أن يتقبل منكِ سعيكِ، ونذكركِ بأن من شروط التوبة الندم على المعصية، والإقلاع عنها فوراً، والعزم على عدم العود إليها مستقبلاً، قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:146}.
أما ما يخص قضاء الرمضانات التي عليكِ، فالواجب عليكِ قضاء أيام رمضان الماضي قبل دخول رمضان الآتي، ثم قضاء ما استطعتِ من الرمضانات السابقة إن بقي لها وقت، فإن لم يبقَ لها وقت ودخل رمضان، فصومي رمضان، ثم تابعي القضاء في شوال، وراجعي الفتوى رقم: 295234.
فإن كان القضاء متتابعاً يشقُّ عليكِ، فلكِ صيامها كصيام داود، صوم يوم وفطر يوم، كما ذكرتِ في السؤال، إلى أن تتحققي أو يغلب على ظنكِ أنه لم يبق في ذمتكِ شيء من الأيام، ثم إن كنتِ تجهلين حرمة تأخير القضاء إلى أن يدخل رمضانُ التالي، فلا فديةَ عليكِ، لأنكِ معذورةٌ بجهل ما يخفى على العوام، لكن يبقى عليكِ القضاء، قال الشيخ باعِشن الدوعني الشافعي في شرح الحضرمية: أمَّا تأخيره بعذرٍ كسفرٍ وإرضاعٍ ونسيانٍ وجهلِ حرمةِ التأخيرِ ولو مخالطاً لنا.. فلا فدية فيه، لأن تأخير الأداء جائزٌ به، فالقضاء أولى، وإن استمر سنين. اهـ.
أما رمضان الأخير: فواجبٌ عليكِ قضاؤه قبل دخول رمضان القادم ـ كما قدمنا ـ لأنكِ قد علمتِ الحكم الآن، فإن لم تفعلي أثمتِ ووجبت عليك مع القضاء الفدية عن كل يوم أخّرتِ قضاءه منه، إلا أن تكوني معذورة بمرضٍ أو حملٍ أو رضاعٍ ونحو ذلك، أو مانعٍ من الصوم يستغرق المدة الباقية، كنفاس، أما إن كنتِ تعلمين حرمة تأخير قضاء الرمضانات الماضية عن سِنِيها حين أخرتِ القضاء، فعليكِ مع قضائها عن كل يومٍ فدية، فكلما صمتِ يوماً ـ من غير رمضان الأخير ـ أخرِجي فديةً للتأخير، ولا تتكرر الفدية بتكرر السنين كما هو الراجح المفتى به عندنا، قال ابن قدامة في المغني: فإن أخره لغير عذرٍ حتى أدركه رمضانات أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء، لأن كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب. اهـ.
والفدية عن كل يوم هي مدٌّ من البر ـ القمح ـ لمسكينٍ، أو نصف صاع من غيره كالأرز، والمد يساوي 750 غراماً، ونصف الصاع يساوي 1500 غرام، ويجوز أن تكون كلها لفقير واحد، إلى أن يخرج ببعضها عن حد الفقر، فلو كان عدد الأيام كلها مائة يوم -مثلاً- كان مجموع الواجب 75 كِيلاً من القمح، وهكذا.
وأما قضاء فوائت الصلاة: فقد بينه الموفق ابن قدامة في المغني، قال: إذا كثرت الفوائت عليه، يتشاغل بالقضاء، ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله، أما في بدنه فأن يضعف أو يخاف المرض، وأما في المال فأن ينقطع عن التصرف في ماله، بحيث ينقطعُ عن معاشه، أو يستضرُّ بذلك، وقد نص أحمد على معنى هذا، فإن لم يعلم قدر ما عليه فإنه يعيد حتى يتيقن براءة ذمته، قال أحمد في رواية صالح، في الرجل يضيع الصلاة: يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما قد ضيع ويقتصر على قضاء الفرائض، ولا يصلي بينها نوافل، ولا سننها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات يوم الخندق، فأمر بلالا فأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء، ولم يذكر أنه صلى بينهما سنة، ولأن المفروضة أهم، فالاشتغال بها أولى. انتهى.
والله أعلم.