عنوان الفتوى : التعامل مع المخالف والتماس العذر للأشاعرة كالبيهقي والنووي وابن حجر
انا والحمدلله ربي قد هداني للسنة ، ولكن هناك شيء حيرني كثيرا . أولا : لماذا علماء كبار مثل النووي والبيهقي وابن حجر وقعوا في خطأ التأويل ، هل يعقل أنهم لم يقرؤوا كتب الحنابلة وأقوال السلف وخاصة الكتب المتقدمة مثل كتاب الإمام احمد والسنة لابنه والتمهيد لابن عبد البر؟ وثم لماذا نعدهم من أهل السنة مع أنهم خالفوهم في مثل هذه المسائل والبعض قد خالف أكثر من هذا مثل الإمام الغزالي فلماذا نعده من أهل السنة ؟ ثانيا : ما موقفنا من العلماء المعاصرين وكيف نحكم عليهم أنهم منحرفون أم لا ، يعني مثل الإمام الشعرواي معروف في فضله وعلمه لكن في مسألة القبور شطح وخالف خلافا عظيما فما موقفنا منه وكذا غيره من الأئمة المعروفين بنصحهم لدين الله كمحمد الغزالي ، وكيف نستطيع أن نميز بين أهل البدع والاهواء المنحرفين وبين من قصده النصح لله ولرسوله ولكن قد يخطئ مثل أي واحد من البشر ثالثا : هل مثل هؤلاء العلماء يعني الشعرواي ومحمد الغزالي وابن عاشور وغيرهم من العلماء هل يصح أن نأخذ منهم رغم مخالفاتهم؟ وإن كان نعم فمن هم الذين يجب علينا أن نحذر منهم وندع كتبهم ؟ رابعا : هل يصح في هذا العصر اثارة الخلاف على هذه المسائل والتحذير من العلماء وإثارة النزاعات بيننا وبين الاشاعرة وغيرهم وخاصة مع ضعف الإسلام وأمته أليس من الأبدى التركيز على الإصلاح الاجتماعي ومحاربة الفساد والالحاد..كما يقول البعض؟ وما موقفي من العامة ممن لديه مغالطات ويتبع علماء الضلال أو يتبع أهل الاشاعرة ولا يرضى بالسلفية وما حكم من يقول بان الاستغاثة بغير الله ليست شركاً هل يكفر؟ ويثير بعضهم الشبه بقول الله فارزقوهم منه. أرجو التبيان الكافي ولو دللتموني على كتاب موجود على الشبكة يؤصل مسالة التعامل مع المخالف وجزاكم الله خيرا
الحمد لله
أولا:
من كان من أهل العلم المعظمين للكتاب والسنة، وخالف اعتقاد السلف في جملة من المسائل، كالبيهقي والغزالي، والنووي وابن حجر رحمهم الله، فذلك لتأويل أو تقليد، ومقصدهم الوصول للحق، وتنزيه الخالق سبحانه وتعالى، وقد يحصل لهم الوقوف على كلام السلف أو بعضهم، فيحملونه على التفويض، أو يتأولونه لقيام الدليل المخالف له في نظرهم واجتهادهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه بعد ذكر جماعة من الأشاعرة كأبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي الجويني، ومن تبعهما:
" ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة , وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم , وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف.
لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه؛ فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل. وخيار الأمور أوسطها.
وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم (الحشر: 10).
ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا (البقرة: 286) " انتهى من درء تعارض العقل والنقل (2/ 102).
وقد أثنى رحمه الله على كبار أئمة الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري، والغزالي، والرازي، فيما أصابوا فيه السنة، وردوا به شبهات الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، ومن ذلك قوله عن أبي حامد الغزالي لما نسب التأويل للإمام أحمد:
"ولم يكن ممن يتعمد الكذب، كان أجلّ قدراً من ذلك، وكان من أعظم الناس ذكاء وطلباً للعلم وبحثاً عن الأمور، وكان من أعظم الناس قصداً للحق، وله من الكلام الحسن المقبول أشياء عظيمة، بليغة، ومن حسن التقسيم والترتيب ما هو به من أحسن المصنفين .
لكن كونه لم يصل إلى ما جاء به الرسول من الطرق الصحيحة ، كان ينقل ذلك بحسب ما بلغه، لاسيما مع هذا الأصل الفاسد؛ إذ جعل النبوات فرعاً على غيرها" انتهى، من بيان تلبيس الجهمية (6/ 127).
وقال الإمام الذهبي رحمه الله :
" وَلَوْ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ - مَعَ صِحَّةِ إِيْمَانِهِ، وَتَوَخِّيْهِ لاتِّبَاعِ الحَقِّ - أَهْدَرْنَاهُ، وَبَدَّعنَاهُ، لَقَلَّ مَنْ يَسلَمُ مِنَ الأَئِمَّةِ مَعَنَا، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْعَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ." انتهى ، من "سير أعلام النبلاء" (14/376) ، وينظر أيضا : (14/40) منه .
وانظر: جواب السؤال رقم (107645) في موقف علمائنا من النووي وابن حجر رحمهما الله.
وينظر أيضا للأهمية جواب السؤال رقم (291372) .
ثانيا:
الأشاعرة يعدّون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الأشاعرة: " ومباحثهم في مسألة حدوث العالم والكلام في الأجسام والأعراض هو من الكلام الذي ذمه الأئمة والسلف، حتى قال محمد بن خويز منداد: أهل البدع والأهواء عند مالك وأصحابه هم أهل الكلام ؛ فكل متكلم في الإسلام فهو من أهل البدع والأهواء ، أشعريًّا كان أو غير أشعري.
وذكر ابن خزيمة وغيره أن الإمام أحمد كان يحذر مما ابتدعه عبد الله بن سعيد بن كلاب وعن أصحابه كالحارث ؛ وذلك لما علموه في كلامهم من المسائل والدلائل الفاسدة، وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة ، وموافقة السنة ، ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف .
فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهم يعدّون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم" انتهى من بيان تلبيس الجهمية (3/ 536).
وانظر: جواب السؤال رقم (226290).
وانظر أيضا للفائدة جواب السؤال رقم (256198).
ثالثا:
العلماء والدعاة المعاصرون كالشيخ الشعراوي والشيخ محمد الغزالي، يُعرف لهم علمهم وفضلهم، ولا يقرون على ما خالفوا فيه السنة، فيبين خطؤهم بعلم وإنصاف، ويذكر ما لهم من الفضائل والحسنات، ويستفاد مما أصابوا فيه في التفسير وغيره، ولا يترك صوابهم لخطئهم، لكن من كثر الخطأ في كلامه ، فلا ينبغي أن يقرأ له إلا المتمكن القادر على معرفة الخطأ، ورد الشبهة.
فالعالم والداعية إذا كان معظما للكتاب والسنة، ثم خالفهما لاجتهاد أو تقليد، فإنه يلتمس له العذر، ويستفاد منه فيما أصاب فيه.
وأما أصحاب البدع المغلظة، المفارقون للكتاب والسنة كالخوارج، والمعتزلة، والرافضة ، والإباضية ، فالأصل أن يحذّر منهم، وينفّر عنهم، لئلا يغمسوا الناس في أهوائهم، ويفتموهم بشبهاتهم.
قال ابن القيم رحمه الله :
"من قواعد الشرع ، وَالْحكمَة أيضا : أن من كثرت حَسَنَاته وعظمت ، وَكَانَ لَهُ فِي الإسلام ، تَأْثِير ظَاهر : فَإِنَّهُ يُحْتَمل لَهُ مَالا يُحْتَمل لغيره ، ويُعفى عَنهُ مَالا يُعفى عَن غَيره .
فَإِن الْمعْصِيَة خبث ؛ وَالْمَاء إِذا بلغ قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث ؛ بِخِلَاف المَاء الْقَلِيل ، فَإِنَّهُ يحمل ادنى خبث يقع فيه " . انتهى ، من "مفتاح دار السعادة" (1/504) ط عالم الفوائد .
والنصيحة لك أن تتدارس ، على أناة وروية ، الرسالة العظيمة : "رفع الملام عن الإئمة الأعلام" ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وأن تستمع شيئا من شروحها ، مثل شرح فضيلة الشيخ يوسف الغفيص ، حفظه الله .
رابعا:
ينبغي أن يحرص المسلمون على وحدة الكلمة، والتآلف والتكاتف في مواجهة أعدائهم، دون تمييع القضايا، أو جعل الباطل حقا، وإنما يكون التناصح والتحاور بينهم في مسائل الخلاف قائما على العدل والإحسان ومراعاة حقوق الأخوة الإيمانية، والبعد عن البغي والظلم وإهدار الحقوق لأجل الخلاف.
وأيضا فإن كثيرا من مسائل الخلاف لا يحسن إيرادها للعامة، وإنما يخاطبون بالجمل والأصول، ولا يثار أمامهم ما يكون سببا في النزاع والشقاق.
وقد سبق بيان هذا المعنى بشيء من التفصيل في جواب السؤال رقم (230339).
خامسا:
الواجب مع العوام الذين يقلدون أهل البدع والأهواء، أن يناصحوا، وأن يُدعوا إلى طلب العلم، ومعرفة الحق، ونبذ التعصب، وأن يسلك معهم مسلك التأليف والتقريب، لا العداوة والخصومة، فإنهم متى آنسوا قربا من الداعية أحبوه ولانوا له وأخذوا بقوله.
سادسا:
دعاء الأموات والاستغاثة بهم شرك بالله تعالى، كما دل عليه القرآن في مواضع.
وينظر: جواب السؤال رقم (153666) ورقم (227935) ورقم (181206).
والمنازع في هذا إن كان متأولا أو مقلدا فهو معذور، ولا يكفر إلا من قامت عليه الحجة الرسالية التي يكفر تاركها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين ، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة ، وإزالة الشبهة" انتهى من مجموع الفتاوى (12/ 466).
ولا حجة لمن جوز الاستغاثة في قوله تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا النساء/8
فالرزق هنا معناه العطية، أي أعطوهم من المال الذي حضروا قسمته.
قال ابن الجوزي رحمه الله: " فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ أي: أعطوهم منه، وقيل: أطعموهم .
وهذا على الاستحباب عند الأكثرين، وذهب قوم إِلى أنه واجب في المال، فإن كان الورثة كباراً، تولوا إِعطاءهم، وإِن كانوا صغاراً تولّى ذلك عنهم وليّ مالهم، فروي عن عبيدة أنه قسم مال أيتام، فأمر بشاة، فاشتريت من مالهم، وبطعام فصنع، وقال: لولا هذه الآية لأحببت أن يكون من مالي، وكذلك فعل محمّد بن سيرين في أيتامِ ولِيَهم، وكذلك روي عن مجاهد: أن ما تضمّنتْه هذه الآية واجب" انتهى من زاد المسير (1/ 375).
فليس في الآية إلا تسمية العطية رزقا، ونسبة الرزق إلى المخلوق المعطي، والمخلوق ينسب إليه الرزق فيما يقدر عليه ، كما قال تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ الحج/58، لكن لا يجوز طلب الرزق ، أو الاستغاثة بأحد دون الله ، إلا إذا كان حيا ، فيما يقدر عليه.
فإن أريد أن سؤال الميت من باب المجاز، وأنه يشرع سؤاله على ذلك، كان هذا فتحا لباب الشرك على مصراعيه، وأن يقول المسلمون: يا محمد يا أبا بكر يا عمر يا عثمان يا علي يا طلحة، يا جبريل يا ميكائيل، وهم يريدون يا رب محمد ورب أبي بكر إلخ !!
وهل يجيز هذا من يعرف دين الإسلام، ويعرف قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة/186 .
على أن كثيرا من المستغيثين ، بل غالبهم ، لا يعرفون مجازا ولا كناية ، ولا يرومون بقولهم ذلك ، إنما هم يريدون من الميت نفسه، ويزعمون أن الله أعطاه التصرف، أو أنهم يسألون الأموات، والأموات يقربونهم إلى الله زلفى، كما كان يعتقد أهل الجاهلية.
قال في كشاف القناع في باب حكم المرتد (6/ 168): " أو جعل بينه وبين الله وسائط ، يتوكل عليهم ، ويدعوهم ، ويسألهم ؛ إجماعا انتهى) : أي كفر؛ لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3] " انتهى.
والمجيزون للاستغاثة الشركية لهم شبهات كثيرة، أجاب عنها أهل العلم، وينصح بالرجوع إلى:
1-صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، للعلامة محمد بشير السهسواني.
2-هذه مفاهيمنا، للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
ويمكنك الاستفادة في موضوع التعامل مع المخالف، من كتاب "دعوة أهل البدع" للشيخ خالد بن أحمد الزهراني، وهو موجود على الشبكة.
وأيضا كتاب : "منهج أهل السنة في النقد والحكم على الآخرين" ، لهشام بن إسماعيل الصيني .
والله أعلم.