عنوان الفتوى : هل جميع النواقض العشرة التي ذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب مجمع عليها ؟
هل جميع النواقض العشرة التي ذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب مجمع عليها ؟
الحمد لله
نواقض الإسلام العشرة ، التي ذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب كلها مجمع عليها ، إلا ناقضا واحدا فقط وهو السحر ، فإن فيه تفصيلا ، وبعض صوره أجمع العلماء على أنها ناقضة للإسلام ، كما سيأتي .
وبيان هذا النواقض باختصار :
"الأول : الشرك في عبادة الله تعالى ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) ، وقال تعالى : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) ومن ذلك : دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، والنذر والذبح لهم ".
وأدلة هذا الناقض من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر ، وإجماع العلماء عليه إجماع ضروري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده ، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا من المخلوقات في جميع الأمور ، فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به " انتهى من " الاستقامة " (1/344) .
ويقول ابن عبد الهادي رحمه الله : " ولو جاء إنسان إلى سرير الميت [ النعش] يدعوه من دون الله ويستغيث به ، كان هذا شركا محرما بإجماع المسلمين " .
انتهى من " الصارم المنكي " (ص436) .
"الثاني : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا".
ودليل ذلك قوله تعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه ) يونس/18، فمن فعل ذلك كان شبيها بعباد الأوثان .
ولذلك قال ابن مفلح رحمه الله في " الفروع " (3/553) : " لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط ، يدعوهم ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (1/124) .
وقد تلقى العلماء هذا الإجماع من شيخ الإسلام ، وأثبتوه في أبواب حكم المرتد من كتبهم ، كما نقله المرداوي في " الإنصاف " (10/327) فقال : " وكذا الحكم لو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ، إجماعا " انتهى .
وينظر " كشاف القناع للبهوتي " (6/168) ، "الفروع لابن مفلح " (3/553) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال : (153666) .
"الثالث : من لم يكفّر المشركين ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم : كفر" .
هذا الناقض مجمع على كفر فاعله ، والمراد بـ"المشركين" هنا : الكافر الأصلي ، ويلحق بهم : الذين وقعوا في ردة قطعية أجمع عليها العلماء ، تتعلق بالمعلوم من الدين بالضرورة ، كمن أنكر البعث والقيامة ، أو أنكر آية من كتاب الله ، ونحو ذلك من أسباب الردة الصريحة التي لا شبهة فيها .
وقد نقل القاضي عياض رحمه الله إجماع العلماء على هذا ، فقال :
" الإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود ، وكل من فارق دين المسلمين ، أو وقف في تكفيرهم ، أو شك " انتهى من " الشفا " (2/281) .
وينظر جواب السؤال رقم : (210595) .
"الرابع : من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه ، فهو كافر" .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"ويدخل في هذا القسم : من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل ، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى .
ويدخل في هذا أيضا: من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر ، ويدخل في ذلك أيضا : كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة ; لأنه بذلك يكون قد استباح ما حرمه الله إجماعا، وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ، كالزنا والخمر والربا والحكم بغير شريعة الله : فهو كافر بإجماع المسلمين" .
انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (1/132) .
وقد سبق في الفتوى رقم : (111923) أن هذا الناقض مجمع عليه .
"الخامس : من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو عمل به فقد كفر ؛ لقوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) " .
والإجماع منعقد على كفر من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما نقله البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (6/168). وينظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (148099).
"السادس : من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر ، والدليل قوله تعالى : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )".
قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي : " أصل الدين مبني على تعظيم الله ، وتعظيم دينه ورسله والاستهزاءُ بشيء من ذلك : مناف لهذا الأصل ، ومناقض له أشد المناقضة " . انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص342) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " وقد أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين ، أو تنقصه ، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو انتقصه ، أو استهزأ به؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (1/139) .
وللاستزادة ينظر جواب السؤال : (163627) .
"السابع : السحر ، ومنه الصرف والعطف ، فمن فعله ، أو رضي به كفر ، والدليل قوله تعالى : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ )" .
وهذا الناقض لم ينعقد الإجماع على جميع صوره .
فإذا فعل الساحر ما هو كفر ، كإهانة المصحف ، أو السجود للشياطين .. ونحو ذلك ، فهو كافر بالإجماع .
أما إذا لم يفعل شيئا من ذلك : فأكثر العلماء على أنه كافر أيضا بمجرد عمله للسحر .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (69914) .
كما سبق الإشارة إلى اختلاف العلماء في هذا في الفتوى رقم : (13914) .
وينظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (148099) .
"الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) " .
والمراد بذلك : أن يكون المسلم نصيرا وظهرا وعونا للكفار ضد المسلمين ، ويوالي حزبهم ، من دون حزب المؤمنين .
قال الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) :
" لا تتخذوا، أيها المؤمنون ، الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم ، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلُّونهم على عوراتهم ، فإنه مَنْ يفعل ذلك " فليس من الله في شيء " ، يعني بذلك : فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر " إلا أن تتقوا منهم تقاة " ، إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا تعينوهم على مُسلم بفعل " انتهى من " تفسير الطبري " (3/140) .
وقد أفتى علماء المغرب بردة محمد بن عبد الله السعدي ، أحد ملوك مراكش ، لما استعان بملك البرتغال ضد عمه .
انظر : "الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى" (2/70) .
"وفي كتاب الْقَضَاء من نَوَازِل الإِمَام الْبُرْزُليّ رَحمَه الله ، أَن أَمِير الْمُسلمين يُوسُف بن تاشفين اللمتوني رَحمَه الله ، استفتى عُلَمَاء زَمَانه رَضِي الله عَنْهُم - وهم مَا هم - فِي استنصار ابْن عباد الأندلسي بِالْكِتَابَةِ إِلَى الإفرنج على أَن يعينوه على الْمُسلمين ، فَأَجَابَهُ جلهم رَضِي الله عَنْهُم بردته وكفره " ينظر : "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى " (5/75) .
وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن انضم إلى التتار وقاتل المسلمين أنه مرتد ، وقال : "وَإِذَا كَانَ السَّلَفُ قَدْ سَمَّوْا مَانِعِي الزَّكَاةِ مُرْتَدِّينَ - مَعَ كَوْنِهِمْ يَصُومُونَ. وَيُصَلُّونَ وَلَمْ يَكُونُوا يُقَاتِلُونَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ - فَكَيْفَ بِمَنْ صَارَ مَعَ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَاتِلًا لِلْمُسْلِمِينَ" .
انتهى من مجموع فتاوى شيخ الإسلام (28/530-531) .
"التاسع : من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين باتفاق جميع المسلمين أن من سوّغ غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب ، وكفر ببعض الكتاب " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (3/543) .
"العاشر : الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به ، والدليل قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ )" .
والمراد بـ"كفر الإعراض" : الإعراض عما جاء به الرسول ، لا يبالي به ، ولا يتلقاه عنه ، ولا يرفع به رأسا .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَأَمَّا كُفْرُ الْإِعْرَاضِ فَأَنْ يُعْرِضَ بِسَمْعِهِ وَقَلْبِهِ عَنِ الرَّسُولِ، لَا يُصَدِّقُهُ وَلَا يُكَذِّبُهُ، وَلَا يُوَالِيهِ وَلَا يُعَادِيهِ، وَلَا يُصْغِي إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الْبَتَّةَ .." انتهى من "مدارج السالكين" (1/347) .
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ- رحمه الله- في جواب مفصل حول ذلك : " إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتاً عظيماً ، وتفاوتهم بحسب درجاتهم في الإيمان ؛ إذا كان أصل الإيمان موجوداً ، والتفريط والترك إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات .
وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به الإسلام ، وأعرض عن هذا بالكلية : فهذا كفر إعراض، فيه قوله تعالى: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) [الأعراف: 179]، وقوله: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه: 124] .
ولكن عليك أن تعلم أن المدار على معرفة حقيقة الأصل ، وحقيقة القاعدة ، وإن اختلف التعبير واللفظ .." . انتهى ، ينظر : "نواقض الإيمان الاعتقادية" ، د. محمد بن عبد الله الوهيبي (128-129) .
ولم نقف على من نقل الإجماع في هذا النوع من الكفر.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (142392) .
والله أعلم .