عنوان الفتوى : حكم مصالحة المسلمين للكفار على شرط أن لا يردوا من ارتد إليهم من المسلمين
عندي سؤال يحيرني: أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد إذا لم يتب، وما يحيرني هو: لماذا في صلح الحديبية قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أن من آمن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم دون إذن وليه رده، ومن أتى قريشاً ممن كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن سلمنا أن حد الردة كان مشروعا قبل صلح الحديبية، فإن القاعدة عند أهل العلم أنه: لا تعارض بين عام وخاص، وحكم قتل المرتد حكم عام، فإذا جرت مصالحة أو هدنة بين المسلمين وبين طائفة من الكفار، على شرط عدم رد من ارتد إلى دينهم ولحق بهم، كان هذا الحكم خاصا بهؤلاء الذي جرى في حقهم الصلح، وهكذا الحال في بقية الشرط المذكور في السؤال، مِن ردِّ من أسلم من الكفار دون إذن وليه! فإن هذا حكم خاص بهذه الفئة، فلا يتعارض مع الحكم العام بنصرة المسلم وعدم إسلامه لعدوه، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 138503.
ثم إن أهل العلم قد اختلفوا في جواز مصالحة المسلمين للكفار بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، على شرط أن لا يردوا من ارتد إليهم من المسلمين، قال الماوردي في الحاوي الكبير: من ارتد بعد الهدنة من المسلمين ولحق بهم لم يخل حال الإمام في عقد هدنته من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يكون قد اشترط فيها رد من ارتد إليهم، ليؤخذوا برده وتسليمه، سواء كان المرتد رجلا أو امرأة، فإن امتنعوا من رده كان نقضا لهدنتهم.
والقسم الثاني: أن يشترط فيه أن لا يردوا من ارتد إليهم من المسلمين، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط ذلك لقريش في هدنة الحديبية.
فأما الآن ففي جواز اشتراطه في الهدنة قولان:
أحدهما: يجوز الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية، ولأن الردة قد أباحت دماءهم فسقط عنا حفظهم.
والقول الثاني: إنه شرط باطل، لأن هدنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بطلت في رد من أسلم، بطلت في ترك من ارتد، لأن أحكام الإسلام عليها جارية.
والصحيح عندي من إطلاق هذين القولين: إنها تبطل في ترك من ارتد من النساء، ولا تبطل في ترك من ارتد من الرجال كما بطلت في رد من أسلم من النساء، ولم تبطل في رد من أسلم من الرجال، لأن النساء ذوات فروج يحرم على الكافر من المرتدة مثل ما يحرم عليه من المسلمة، ولعل اختلاف القولين محمول على ما ذكرنا من الفرق بين الفريقين... اهـ.
والله أعلم.